[وأقروا على أنفسهم بما قالوه متمثلين به أو منشدين له فيما صنفوه من كتبهم كقول بعض رؤسائهم:
نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا ... وحاصل دنيانا أذىً ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، اقرأ في الإثبات:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥].
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر:١٠] واقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:١١]{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً}[طه:١١٠] ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي].
هذا الكلام لـ محمد بن عمر الرازي، وهو عمدة المتأخرين من الأشاعرة.
وهو في كتابه أقسام اللذات وهو مخطوط لم يطبع.
وهذه النتيجة وقعت لخلق من الأشعرية وغيرهم -وبخاصة الأشاعرة- حيث يتبين لهم أن المسلك الكلامي الذي سلكوه ليس صواباً، فيميلون إلى تعظيم الطريقة المأثورة عن سلف الأمة، وإن كانوا في الجملة لا يهتدون إليها -أي: إلى تفاصيلها- عند التحقيق، وهذا الذي وقع فيه أبو المعالي الجويني في رسالته النظامية، ويقع في كلام محمد بن عمر الرازي في مثل هذا السياق، وكذلك في كلام أبي حامد الغزالي؛ فإنه رجع إلى مذهب أهل السنة باعتبار أنه تبين له أن الحق في طريقة السلف، وإن كان لم يصب التعريف، وربما قصد مقاصد في مسائل الأحوال والتصوف وأضافها إلى مقامات الأئمة، ولا سيما من عرفوا بالعبادة من متقدمي أئمة السلف واشتهروا بها.
فهذا لا يحصل به أن هؤلاء رجعوا إلى مذهب أهل السنة رجوعاً متحققاً من جهة تقرير المسائل، وإن كانوا يذكرون رجوعهم ويتبين لهم أن ما سلكوه غلطاً، لأنهم لا يهتدون إلى مذهب السلف على التفصيل، بل يهتدون إليه مجملاً، وربما اهتدوا إلى مذهب يفارق المذهب الذي كانوا عليه يظنون أنه مذهب السلف، مثل ما وقع لـ أبي المعالي الجويني في الرسالة النظامية؛ فإنه ذكر أن التأويل محرم وأن الصواب ما عليه سلف الأمة، والتزم مذهب السلف لكن ظن أن مذهب السلف هو التفويض.