[من أوجه فساد مقولة: طريقة السلف ...]
[ثم هؤلاء المتكلمون المخالفون للسلف إذا حقق عليهم الأمر لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة به خبر، ولم يقعوا من ذلك على عين أو أثر، كيف يكون هؤلاء المحجوبون، المفضولون، المنقوصون، المسبوقون، الحيارى، المتهوكون أعلم بالله وأسمائه وصفاته وأحكم في باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل، وأعلام الهدى، ومصابيح الدجى].
هذا التقرير تقرير نظري، أي: أنه يمتنع بالعقل أن يكون المحجوبون، المفضولون، المسبوقون، الحيارى، المتهوكون أعلم في باب أسماء الله وصفاته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ..
وهذا قاطع من قواطع النظر العقلي الشرعي.
[الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، الذين وهبهم الله من العلم والحكمة ما برزوا به على سائر أتباع الأنبياء فضلاً عن سائر الأمم].
ولهذا لم يمتدح الله في القرآن من بعدهم إلا من اتبع هداهم: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة:١٠٠] وقوله: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} [التوبة:١٠٠] عام في سائر من اتبعهم ولو تأخر زمنه.
[فضلاً عن سائر الأمم الذين لا كتاب لهم].
يشير المصنف بقوله هذا إلى المتفلسفة الذين دخل قولهم على المسلمين.
[وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة! ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة -لا سيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته- من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟! أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضلال اليهود والنصارى والصابئين، وأشكالهم وأشباههم، أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان؟! وإنما قدمت هذه المقدمة لأن من استقرت هذه المقدمة عنده عرف طريق الهدى أين هو في هذا الباب وغيره وعلم أن الضلال والتهوك إنما استولى على كثير من المتأخرين بنبذهم كتاب الله وراء ظهورهم، وإعراضهم عن ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى، وتركهم البحث عن طريقة السابقين والتابعين، والتماسهم علم معرفة الله ممن لم يعرف الله بإقراره على نفسه، وبشهادة الأمة على ذلك، وبدلالات كثيرة.
وليس غرضي واحداً معيناً وإنما أصف نوع هؤلاء ونوع هؤلاء].
يستخدم المصنف هذه الإضافات أتباع الهند واليونان وورثة المجوس ..
إلخ لأن لديه جزماً قاطعاً أن العلم الكلامي علم مولد من الفلسفة، وإن كان ضُمِّن بعض المقدمات العقلية المجردة عن الفسلفة، وكذلك بعض المقدمات الشرعية المجملة كمقدمة تنزيه الله عن التشبيه والتمثيل المذكورة في قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] وبعض المقاصد الشرعية الفاضلة كأن الله مستحق للكمال منزه عن النقص، فإن هذه يشترك فيها حتى المتكلمون مع أهل السنة؛ ولهذا المصنف يقول: إن أهل القبلة اتفقوا على أن الله مستحق للكمال منزه عن النقص، ثم اختلفوا في تحقيق المناط.