المحصل من هذا: هو أن المعتزلة ركبوا مذهبهم من أصلين:
الأصل الأول: وهو الذي حصلوا به المذهب، وهو الدلائل الكلامية.
الأصل الثاني: وهو الذي تأولوا به القرآن، وهو النظرية المجازية.
ولهذا لو قال قائل: إن مذهب المعتزلة وكذا الأشاعرة -فيما يوافقون فيه المعتزلة كباب الصفات الفعلية- محصل بفهم لغوي، وقد عرف كثير من المعتزلة بالحذق في اللسان العربي، فهم فهموا القرآن بحسب كلام العرب؛ ولهذا لا يؤاخذون في قولهم؛ فإننا نقول: هذا الترتيب من جهة النظام العلمي غير صحيح؛ لأن المعتزلة أولاً رتبوا المذهب وحصلوه وانتهت نتيجته عندهم قبل النظر في المسألة اللغوية، فهم رتبوه ترتيباً عقلياً، حيث بنوه على دليل الأعراض، أما القضية اللغوية فقد استدعوها بعد انتهاء المذهب إلى نفي الصفات، لدرء التناقض بين المذهب والقرآن، فتأولوا القرآن بالمجاز.
إذاً: لم يتكون مذهب المعتزلة بدلالة اللغة، إنما بدليل عقلي، وأخص الدلائل التي اعتبرتها المعتزلة دليل الأعراض وهو دليل عقلي فلسفي يقوم على مقدمات فلسفية، بل ألفاظه -أصلاً- لم تعرف عند العرب بنفس المقاصد التي قصدها المعتزلة، وسيأتي إن شاء الله ذكره.
المهم: أن ما يشيعه الكثير من أن مذهب المعتزلة مذهب بني على فهم لغوي في القرآن لمسألة الصفات ..
هذا غلط محض، فإن المعتزلة إذا أرادوا تقرير المذهب في كتبهم فإنهم يدخلون من جهة الدلائل الكلامية، وإذا انتهى تقرير المذهب يبقى المعارضة القرآنية للنتيجة، فيستدعون هنا مسألة اللغة عبر نظرية المجاز.
وهذا حتى لا يقول قائل -كما يقول البعض ممن يتكلم في هذا أو يصنف في هذا، ولا سيما بعض الباحثين من المعاصرين-: أن السلف فهموا آيات الصفات من خلال لسان العرب، والمعتزلة فهموا آيات الصفات من خلال لسان العرب؛ فإن هذا غلط محض، فإن المعتزلة لم تستخدم اللسان العربي إلا كجواب عن معارضة القرآن لنتيجتهم التي حصلوها تحصيلاً كلامياً فلسفياً.