[ثم إن ذلك إذا ركب بألفاظ كثيرة طويلة غريبة عن من لم يعرف اصطلاحهم أوهمت الغر ما يوهمه السراب للعطشان ازداد إيماناً وعلماً بما جاء به الكتاب والسنة، فإن الضد يظهر حسنه الضد، وكل من كان بالباطل أعلم كان للحق أشد تعظيماً وبقدره أعرف إذا هدي إليه.].
وكل من كان بالباطل أعلم كان للحق أشد تعظيماً هذا هو غرض المصنف من نقضه لهذه المذاهب والمناهج.
ولكن هنا ينبه: إلى أنه وإن كانت المعرفة بالباطل معرفة رد وإنكار ودفع فاضلة، إلا أنه لا شك أن الأصل هو معرفة الحق بتفصيله، وهنا ينبه إلى أنه في هذا المقام -وبخاصة في مقام الاعتقاد- من الغلط أن يشتغل طالب العلم بمعرفة تفاصيل المناهج المخالفة للسلف، وهو لم يحكم تفاصيل مذهب السلف ..
فإن الأصل: معرفة مذهب السلف إجمالاً ثم تفصيلاً، ثم بعد ذلك يعرف مذهب المخالف إجمالاً ثم تفصيلاً إن أمكنه ذلك؛ ولهذا كان علماء السنة من أولهم إلى آخرهم يشتركون في معرفة مذهب السلف على التفصيل، لكن لم يكن جميعهم على معرفة بالأقوال المخالفة على التفصيل؛ بل منهم من اشتغل بمعرفة تفصيلها والرد عليه، ومنهم من عرفها معرفةً مجملة ولم يكن له اختصاص بمعرفة كثير من تفاصيلها.
وإن كان ما وقع عليه المصنف -أعني: شيخ الإسلام رحمه الله - من دراسته لكتب المتفلسفة والمتكلمة وغيرهم -لا شك- مما يحمد له ويثنى عليه به، ولا يجوز لأحد أن يقول: إن السلف الأول لم يشتغلوا هذا الاشتغال؛ لأن لكل مقام ما يناسبه، فقد كان في زمن السلف رحمهم الله لم تختلط السنة بالبدعة، فكانت البدعة متميزة عن السنة، وكان المبتدعة إذ ذاك كالخوارج أو الجهمية أو المعتزلة مناقضين لأئمة السنة، ولا ترى أشد مناقضة من كون الخوارج قاتلوا الصحابة، وفي زمن الأئمة كان أئمة المعتزلة كـ ابن أبي دؤاد وأمثاله يفتون بقتل كبار أئمة السنة.
لكن فيما بعد لما جاء متكلمة الصفاتية وأمثالهم، وانتسبوا للسنة، وانتسب خلق منهم كـ الأشعري لـ أحمد بن حنبل ..
إلخ صار هناك اضطراب واختلاط، ولم تتميز السنة عن البدعة عند كثير من الفقهاء وأهل العلم، ومن هنا: كان هذا الاشتغال بالتفصيل هو التحقيق الموافق لمذهب السلف.