[القاعدة السابعة]
السابعة: وهي قاعدة فاضلة في هذا المقام، وهي من أخص موارد الغلط عند المخالفين، وهي أن الاشتراك في الاسم المطلق لا يستلزم التماثل في الحقيقة عند الإضافة والتخصيص.
وبعبارة أخرى: أن الاشتراك في الاسم المطلق ليس هو التشبيه الذي نفته النصوص في مثل قوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] ذلكم أن الله وصف نفسه بالرضا فقال: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:١١٩] وأضاف صفة الرضا إلى المخلوقين فقال: {وَرَضُوا عَنْهُ} [المائدة:١١٩] وقال: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:٥٤] وقال تعالى عن نفسه: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:٥٨] وقال عن عبده: {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:٢] وقال عن نفسه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب:٤٣] وقال عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨] وهلم جرا.
فهذا التوارد الذي تراه في القرآن في الاسم المطلق ليس هو التشبيه الذي نفته النصوص، وإلا للزم أن يكون القرآن متناقضاً؛ إذا كان قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] يعني: أنه لا يوصف الله بصفة ثبت اشتراك بينه وبين المخلوق في اسم الصفة المطلق؛ فيلزم من هذا أن يكون القرآن متناقضا؛ لأنه نفى التشبيه وأثبته.
وإنما الاشتراك في الاسم المطلق ليس هو التشبيه الذي نفته النصوص؛ لأن الاشتراك في الاسم المطلق ليس له وجود خارجي، إنما وجوده وجود ذهني، والوجود الخارجي من شرطه: الإضافة والتخصيص والتعيين.
فإذا قلت: محبة.
فهل فهمت أي محبة هنا؟ هل هي محبة الولد لأبيه، أو الأب لابنه، أو الزوج لزوجته، أو هي محبة المؤمن لربه، أو محبة الرب لعبده المؤمن، إذاً: هي لفظة مجردة لا تخصيص فيها ولا إضافة ولا تعيين؛ فإذا أضفت فقلت: محبة المؤمنين لربهم.
أو قلت: محبة الله لعبده.
أو قلت: محبة زيد لعمر.
فعند الإضافة والتخصيص يكون معنى المحبة في المقامات الثلاثة مختلفاً، والماهية والحقيقة مختلفة.
إذاً: من طرق الرد على المخالف أن يقال: إن نعيم الجنة الذي وصفه الله في الكتاب أو في ما جاء في السنة النبوية في كثير من الأسماء يشترك مع نعيم الدنيا، ففي الجنة خمر وفي الدنيا خمر، لكن خمر الجنة ليس كخمر الدنيا؛ لأن الله ذم خمر الدنيا بل سماه رجساً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة:٩٠] وهذا مجمع عليه بين المسلمين، فبالضرورة أن خمر الآخرة ليس مثل خمر الدنيا مع أن الاسم واحد، وكذلك الماء وغيره من الأسماء التي ذكرت في الدنيا وذكرت نعيم الآخرة.
فمثلما: حصل اشتراك في الاسم المطلق بين الخمر والخمر ولم تتماثل الحقيقة، فمن باب أولى إذا أضيفت صفة إلى الله وجاء اسمها في حق العبد ألا تكون الصفة كالصفة.
أي: إذا كان الاشتراك في الاسم المطلق لم يستلزم التماثل في الماهية والحقيقة بين المخلوقات كخمر الدنيا وخمر الآخرة فبين الخالق والمخلوق من باب أولى.
إذاً: من ينفي بعض صفات الله كالغضب والرضا ونحوه من الأشاعرة بحجة أن المخلوق يتصف بها أو أن إثباتها يستلزم تشبيهاً يقال: ما قولكم في علم الله؟ ألم تثبتوا لله علماً يليق به مع أن للمخلوق علماً، وأثبتم لله قدرة مع أن للمخلوق قدرة، بل ثبوت صفة القدرة للمخلوق أعرف وأشهر من ثبوت صفة الغضب، ومع ذلك قالوا: إن قدرة الباري ليس كقدرة المخلوق، فيقال: فكذلك الغضب والرضا ..
وهلم جرا.
فإن كان النافي من المعتزلة والجهمية الذين ينفون كل الصفات كذلك قيل: أنتم أثبتم لله وجوداً مع أن المخلوق موجود، فحصل اشتراك في اسم الوجود، فإما أن تكون ماهية الوجود واحدة وهذا يعلم امتناعه، فإن الله واجب الوجود والمخلوق ممكن الوجود، ومعلوم بالضرورة العقلية والفطرية أن ثمة تبايناً بين وجود الخالق ووجود المخلوق مع الاشتراك في اسم الوجود.
فالقول في العلم وغيره كالقول في الوجود، فإن قلتم: إثبات العلم يستلزم أن يكون كعلم المخلوق، قيل: لم لم يلزم ذلك في اسم أو في صفة الوجود؟
إذاً الأشاعرة يرد عليهم بما يثبتونه من الصفات، ومن ينفي كل الصفات يرد عليه بصفة الوجود التي لا يستطيع أحد أن ينفك عنها.
وهذا هو السبب في عناية شيخ الإسلام بتقرير قاعدة الوجود والفرق بين أنواع الوجود، وأن الاشتراك باسم الوجود المطلق لم يستلزم التماثل في ماهية وجود الخالق ووجود المخلوق؛ لأنه يتحقق به إبطال لمذهب أصناف المخالفين.