[ما يلزم من يقول: طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم]
[والسمع حرفوا فيه الكلم عن مواضعه].
حرفوا فيه الكلم عن مواضعه بما سموه تأويلاً.
[فلما ابتنى أمرهم على هاتين المقدمتين الكفريتين الكاذبتين].
المقدمة الأولى: اعتقادهم انتفاء الصفات في نفس الأمر أو انتفاء بعض الصفات.
المقدمة الثانية: اعتقادهم أن الدلائل العقلية التي تأولوا بها النصوص هي المحققة للحق في هذا الباب،.
وإذا كان هذا القول في أصحاب المقالة الأولى - طريقة السلف أسلم ..
إلخ - التي قالها من قالها من الأشعرية ومن وافقهم فالمقدمتان:
الأولى: انتفاء الصفات في نفس الأمر.
الثانية: أنهم اعتقدوا أن السلف كانوا مفوضة وأن الخلف تأولوا هذه النصوص.
[كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين واستبلاههم].
وذلك لأنهم جعلوا مذهبهم مذهب تفويض، فهم يقرءون القرآن ولا يعرفون معناه كما وصف الله بذلك قوماً: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} [البقرة:٧٨] أي: إلا قراءة.
[فاعتقاد أنهم كانوا قوماً أميين بمنزلة الصالحين من العامة لم يتبحروا في حقائق العلم بالله، ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصد السبق في هذا كله.
ثم هذا القول إذا تدبره الإنسان وجده في غاية الجهالة، بل في غاية الضلال].
قوله: ثم هذا القول أي: قوله بأن مذهب السلف أسلم لكونه تفويضاً، ومذهب الخلف أعلم وأحكم لكونه تأويلاً.
وإذا كان المصنف سيصل إلى نتيجة هي أن هذا القول واضح الفساد والامتناع -وهو قول فضلاء الأشاعرة- فمن باب أولى قول غلاة الأشاعرة، فمن باب أولى قول المعتزلة، فمن باب أولى قول المتفلسفة.
فمن دقة عرض شيخ الإسلام أنه إذا أراد النقد أو المعارضة لمذاهب متسلسلة قصد أقربها إلى الحق فأبطله بالعقل والسمع؛ لأنه إذا تبين أن أقربها إلى الحق وأفضلها باطل سمعاً وعقلاً فمن باب أولى ما فوقه.
فهو رحمه الله كثيراً ما يقصد إبطال طريقة من يسميهم بفضلاء الأشاعرة؛ ليتحقق بطريقة الأولى بطلان طريقة غلاة الأشاعرة، ليتحقق بطريقة الأولى الثانية بطلان مذهب المعتزلة، وبطريقة الأولى كذلك بطلان طريقة الجهمية الغالية، ثم بطلان مذهب المتفلسفة.