[تعليق للمصنف على ما تقدم نقله من نقولات]
[قلت: وليعلم السائل أن الغرض من هذا الجواب: ذكر ألفاظ بعض الأئمة الذين نقلوا مذهب السلف في هذا الباب، وليس كل من ذكرنا شيئاً من قوله من المتكلمين وغيرهم يقول بجميع ما نقوله في هذا الباب وغيره، ولكن الحق يقبل من كل من تكلم به، فكان معاذ بن جبل يقول في كلامه المشهور عنه الذي رواه أبو داود في سننه: اقبلوا الحق من كل من جاء به وإن كان كافراً -أو قال: فاجراً- واحذروا زيغة الحكيم.
قالوا: وكيف نعلم أن الكافر يقول كلمة الحق؟ قال: إن على الحق نوراً.
أو قال كلاماً هذا معناه.].
هذا البيان -بيان المصنف- هو تعليق مجمل على نقولاته، مبيناً فيه أنه ليس كل من نقل عنه من المتكلمين وغيرهم -كالصوفية وبعض الفقهاء- يعتبر موافقاً له في سائر ما قاله، أو أن هؤلاء الذين نقل عنهم يوافقون أئمة السلف في سائر الموارد، وإنما من باب أن الحق يؤخذ من كل من جاء به.
والحقيقة: أن المصنف هنا لم يكن غرضه أن بعض كلام هؤلاء فيه من معاني الحق أو تقريره ما لم يقع ذكره في كلام السلف، إنما قصد إلى هذه النقولات عن بعض أعيان المتكلمين من جهة إقامة الحجة على أتباعهم أو من يوافقهم من أصحابهم الذين غلطوا عليهم وعلى السلف سواءً بسواء؛ والغالب أنه يقصد به المتأخرون من الأشاعرة، ولهذا نقل عن الأشعري والقاضي أبي بكر بن الطيب.
وقد تقدم أنه لا يمكن أن تختص طائفة من الطوائف بشيء من الحق لا يقع ذكره في كلام السلف، وقول المصنف: ولو إن كان الحق يقبل من كل من جاء به ..
هذا لا إشكال فيه، لكن يفهم على وجهه وهو: أنه لا يمكن لطائفة من الطوائف المخالفة للسلف أن تختص بشيء من الحق في باب الدلائل أو باب المسائل.
وإذا قيل: اختصاص؛ أي أنهم يختصون بتحقيقه والعلم به وتقريره؛ ولهذا يقول المصنف رحمه الله مبيناً حقيقة العقلية الصحيحة التي تقع في كلام المتكلمين في بعض الموارد: والفاضل من أدلتهم التي يذكرونها ترى أن الكتاب والسنة جاء به على أتم وجه.
فيكون أصله مأخوذاً من أدلة الكتاب وأدلة السنة، أو يقع في كلام السلف رحمهم الله ما هو من جنسه.
إذاً: هم لا يختصون بشيء من الدلائل أو المسائل.
[فأما تقرير ذلك بالدليل، وإماطة من يعرض من الشبه، وتحقيق الأمر على وجه يخلص إلى القلب ما يبرده من اليقين، ويقف على مواقف آراء العباد في هذه المهامه فما تتسع له هذه الفتوى، وقد كتبت شيئاً من ذلك قبل هذا، وخاطبت ببعض ذلك بعض من يجالسنا، وربما أكتب إن شاء الله في ذلك ما يحصل به المقصود.
وجماع الأمر في ذلك: أن الكتاب والسنة يحصل منها كمال الهدى والنور لمن تدبر كتاب الله وسنة نبيه، وقصد اتباع الحق، وأعرض عن تحريف الكلم عن مواضعه، والإلحاد في أسماء الله وآياته].
ولهذا كان العذر في هذا الباب إنما يختص بمن حقق قصد الاتباع والاجتهاد، فهذا إذا أخطأ كان خطأه مغفوراً له، لكن لا بد من اجتماع هذه الشروط، وهو: أن يكون قاصداً الحق مجتهداً في طلبه.
وهي القاعدة التي سبق ذكرها في كلام المصنف: أن كل من أراد الحق واجتهد في طلبه من جهة الرسول فأخطأه فإن خطأه مغفور له.