[أنواع الصفات من جهة أدلتها]
ولهذا يمكن أن نقول كقاعدة من جهة دلائل الصفات: إن الصفات على نوعين:
الأول: صفات تثبت بدلالة العقل والسمع.
الثاني: صفات تثبت بدلالة السمع والعقل لا ينافيها.
ومن ذلك الذي يثبت بالسمع وحده ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر) فهذا النزول لولا خبر النبي صلى الله عليه وسلم به ما كان لأحد أن يهتدي إليه عقله، وهذا الخبر النبوي لا ينافيه العقل، فهذه صفة تثبت بالسمع.
والله سبحانه وتعالى موصوف بأنه الخالق، وموصوف بالقدرة ..
فهذه الصفات معلومة بضرورة الفطرة وضرورة العقل مع أن الشرع صرح بها.
وكذلك صفة العلو صفة دلت عليها الفطرة، فإن الخلق مفطورون على أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى، وكذلك دل عليها العقل، ودل عليها الشرع في آيات متواترة وأحاديث متواترة.
وقد اتفق نفاة العلو من المتفلسفة والجهمية والمعتزلة والمتأخرة من الأشاعرة على أن الله لا يسأل عنه بأين، وهذا مخالف لما ثبت في الصحيح من حديث معاوية بن الحكم في قصة الجارية، لما قال معاوية: (وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قبل أحد والجوانية، فاطلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون لكنني صككتها صكةً، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم ذلك علي، فقلت: يا رسول الله أعتقها؟ قال: ائتني بها.
قال: فأتيته بها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء.
قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله.
قال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة).
فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو أعلم الخلق بالله سأل هذه الجارية -مع أنها ليست من أهل العلم المختصين-: أين الله؟ مما يدل على أن هذا لا ينافي كمال الرب سبحانه.
والإمام أحمد رحمه الله -كما يذكر هذا شيخ الإسلام كثيراً- كان ممن يستدل على ثبوت العلو في رده على المخالفين بمسألة العقل، قال: فإن الله خلق الخلق -أي: خلق العالم- وهو سبحانه وتعالى منزه عن الحلول في هذا الخلق، فيجب بضرورة العقل أن يكون بائناً عنه، وإذا كان بائناً عنه سبحانه وتعالى فإما أن يكون أعلى وهو العلي الأعلى، وإما أن يكون محايفاً، وإما أن يكون أسفل، والمحايفة والسفل نقص ينزه عنه الباري، فتعين أنه سبحانه بائن من خلقه فوقهم ومقصود السلف بالعلو ليس هو أن الله سبحانه وتعالى في السماوات المخلوقة، كما يقال: إن الملائكة في السماء.
فإن الله منزه عن المخلوقات كلها، فهو الأول ليس قبله شيء، والآخر ليس بعده شيء، والظاهر ليس فوقه شيء، والباطن ليس دونه شيء -أي: لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء-.