[وكذلك علم وقت الساعة ونحو ذلك، فهذا من التأويل الذي لا يعلمه إلا الله تعالى.
وإن كنا نفهم معاني ما خوطبنا به، ونفهم من الكلام ما قصد إفهامنا إياه كما قال تعالى:{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:٢٤] وقال: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ}[المؤمنون:٦٨] فأمر بتدبر القرآن كله لا بتدبر بعضه].
هذا وجه في الاستدلال لمذهب أهل السنة: أن الله أمر في غير آية بتدبر القرآن، بل ذم سبحانه من لم يتدبر القرآن، ولو كان الحق في آيات الصفات في سائر مواردها هو التفويض أو أنه لا يفقه معناها إلا باستعمال الدلائل الكلامية لكان هذا الأمر -الذي من الله بتدبر سائر القرآن- ليس في محله، ولا شك أن هذا ممتنع بضرورة العقل والشرع، فهذا الأمر الإلهي بتدبر القرآن كله دليل على أن سائر آياته تقبل التدبر، ودليل على أن سائر آياته من حيث المعنى تقبل التدبر، أي: تقبل الفهم والعقل، وإلا لو كانت لا تفهم ولا تعقل فكيف يؤمر بتدبر القرآن لا سيما أن آيات الصفات ليست يسيرةً في القرآن، بل هي كثيرة ولا تكاد تخلو سورة من سور القرآن من ذكر أو إشارة إلى هذا الباب؟!
فإن قال قائل: إن هذا قد يعترض عليه؛ لأنه قد أمر بتدبر سائر القرآن مع أن في مطلع كثير من السور حم الم ص، فكيف يقال: إن الأمر بتدبر القرآن على عمومه مع وجود هذه الحروف المقطعة؟
قيل: هذا درس في التدبر، فإنك إذا قرأت هذه الآيات ولو وقف الفهم والعقل -كما هو طريقة طائفة من أهل العلم أن الله أعلم بمراده منها، وهذا وجه حسن جيد- فإن هذا لا ينافي التدبر؛ لامتناع العلم بمعنى مناسب لهذه؛ لأنه ليس لها معنى في اللغة، حيث إنك إذا بحثت في سائر كلام العرب لا تجد أن العرب تطلق حم على شيء منها؛ فهو اختصاص قرآني، والوقوف عنده بهذا التدبر والتسليم هو من تدبره المناسب له، لكن في آيات الصفات المعاني معلومة في لسان العرب، فمن جعل آيات الصفات بمنزلة قوله تعالى:(حم) وأمثالها فقد سوى بين المختلفين تماماً، فمثل هذه الآيات لا يشكل ذكرها على هذه القاعدة، لهذا يقال: إن القرآن جميعه يتدبر، حتى مطلع هذه السور كقوله: حم وأمثالها؛ فإنها تتدبر على ما يناسبها من التدبر.