[ظهور علم الكلام والعلوم الفلسفية سبب الخلاف في باب الأسماء والصفات]
الناظر في التاريخ العلمي عند المسلمين في المعرفة الإلهية، وبخاصة في مسألة الأسماء والصفات يجد أن فيها إشكالاً عريضاً، مع أن الحق فيها من جهة القرآن والحديث ومذهب السلف واضح تماماً؛ لكن لأنه دخل على المسلمين أسباب، فقد كانت أسباب البدعة التي نشأ عنها مذهب الخوارج في الغالب فتناً طرأت وتكاد تنتهي، بخلاف الفتنة التي ركِّبت عليها هذه المسائل عند المخالفين للسلف؛ فإنها أسباب علمية.
فقد ظهر عند المسلمين علم الكلام والعلوم الفلسفية، أما الفلسفة فكانت قبل الإسلام، ونقلت نقلاً إلى المسلمين، وأما العلم الكلامي فليس هناك علم اسمه علم الكلام قبل الإسلام، فهو علم وُلِّد عند طائفة من المسلمين وهو المشكِل، ولهذا تجدهم يحدون هذا العلم ويضبطونه بأنه الاستدلال على العقائد الإيمانية بالدلائل العقلية ..
وهذا حد باطل؛ لأن العقائد التي قررها المتكلمون مخالفة للعقائد المنصوص عليها في القرآن والحديث، وإن كانوا أحياناً -كما تقدم- قد يصيبون شيئاً من الحق، لكن لا يختصون بإصابته.
ولهذا كان هذا العلم من أسوأ العلوم التي انتشرت عند المسلمين بسبب الاشتغال بالفلسفة، وقد أدى هذا إلى ظهور المتكلمين المتفلسفة الذين وصلوا إلى منحى خطير في تقريرهم لمسائل الإسلام، وظهور التصور الفلسفي على يد ابن عربي وابن سبعين والعفيف التلمساني والصدر القونوي وأمثال هؤلاء من غلاة المتصوفة الذين قرروا التصوف الفلسفي، والذي قابله التصوف النظري العقلي الذي ذكره ابن رشد وأمثاله.
[كما قد يقوله بعض الأغبياء].
هذا الوصف من المصنف لقائل هذه المقالة ليس من باب التهكم؛ بل لأن المقالة التي نقلها عنه مقالة متناقضة في العقل، أي: فيها تأخر عقلي، وإذا كان في المقالة تأخر عقلي فإن المعنى يناسب هذا الوصف.