[كل من استدل بدليل سمعي على بدعة فإن ذلك الدليل يدل على رد بدعته]
من المعلوم أن من استدل بدليل سمعي على بدعة فإن الدليل السمعي -وهذه حقيقة بدهية- لا يدل على بدعته؛ لكن شيخ الإسلام يقول: وقد تأملت عند التحقيق واطرد الأمر عندنا في ذلك أن كل من استدل بدليل سمعي على بدعة؛ فإن هذا الدليل السمعي نفسه يدل على نقيض بدعته ..
وهذا ما يسمى بقلب الدليل.
مثال ذلك: أن من أخص أدلة المعتزلة على نفي الرؤية: قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:١٠٣] فهنا طريقتان للرد عليهم: إما أن يقال: إن الدليل لا يدل على نفي الرؤية ..
وهذا بدهي وواضح.
وإما أن يقال -وهذا الذي يستعمله شيخ الإسلام وبعض المحققين من أهل العلم-: إن الدليل نفسه يدل على إثبات الرؤية؛ لأن الله نفى الإدراك ولم ينف الرؤية، والإدراك قدر زائد على الرؤية، فإن من يرى الشيء لا يلزم أن يدركه.
فلما نفى القدر الزائد دل على ثبوت ما دونه؛ لأنه لو كان المعنى من أصله منتفياً لما احتيج إلى نفي القدر الزائد.
وقد قال رجل لـ ابن عباس: إن الله يقول: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣] ويقول: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:١٠٣] قال له ابن عباس: يا هذا! ألست ترى السماء؟ قال: بلى.
قال: أتدركها كلها؟ قال: لا.
قال: فالله أعظم.
فكل من يبصر من بني آدم اليوم يرون السماء حقيقةً، لكن لا أحد من بني آدم يقول: إنه يدرك كل السماء على ماهيتها.
وكذلك يرون الشمس لكن لا يدركونها إدراكاً حقيقياً، ففي هذه الآية قال الله تعالى:
{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:١٠٣] لأن الله يرى ولا يدرك، وهذا من كماله، بخلاف المخلوقات؛ فإنها ترى وتدرك.
وقد يقال: الشمس لا ندركها.
فنقول: لكنها تقبل الإدراك، فأنت ترى البعيد فلا تدرك أهو امرأة أو رجل، لكن هذا البعيد الذي تراه الآن ولا تدركه يقبل الإدراك، بخلاف الباري سبحانه فإنه يرى ولا يدرك، كما أنه يُعلم ولا يحاط به علماً.