للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما تأخر ذلك قال عبد الله بن أبي، ورفاعة بن الحارث: والله ما حلقنا وما قصرنا ولا رأينا المسجد الحرام؛ فنزلت (١). وقوله: {بِالْحَقِّ} أي: متلبسا به، وذلك ما فيه من التمييز بين المؤمنين والكافرين، ويجوز أن يتعلق بالرؤيا حالا منها، ومعناه أنها لم تكن أضغاث أحلام، ويجوز أن تكون باء القسم، ويكون قوله: {بِالْحَقِّ} قسما، إما بالحق الذي هو نقيض الباطل، أو بالحق الذي هو من أسمائه. {لَتَدْخُلُنَّ} جوابه، وعلى الأول:

هو جواب قسم محذوف. فإن قيل: ما وجه دخول المشيئة في أخباره سبحانه، وهو عالم بما كان وما يكون؟ قلنا: فيه وجوه: أن تعلقه بالمشيئة تعليما لعباده، أو هو حكاية ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه وقص عليهم، أو أن يريد لتدخلن جميعا. {فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا} من الحكمة والصواب في تأخير فتح مكة إلى العام القابل. {مِنْ دُونِ ذلِكَ} أي: من دون فتح مكة. {فَتْحاً قَرِيباً} فتح خيبر.

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩)}

{بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ} بدين الإسلام {لِيُظْهِرَهُ} ليعليه {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} يريد: الأديان المختلفة. وقيل: عند نزول عيسى. وقيل: الإظهار بالحجج والآيات. {وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً} على ما وعد.

{مُحَمَّدٌ} إما خبر مبتدأ محذوف، وإما مبتدأ و {رَسُولُ اللهِ} عطف بيان، وقرئ: "رسول الله" بالنصب (٢) على المدح. {سُجَّداً} أي: من آثار ما يفعله السجود (٢٦٨ /أ) في الجبهة. {ذلِكَ} الوصف {مَثَلُهُمْ} أي: العجيب الشأن في الكتابين جميعا {كَزَرْعٍ} يريد مثلهم كزرع. وقيل: تم الكلام عند قوله: {ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ} ثم ابتدأ: {وَمَثَلُهُمْ فِي}


(١) نسبه الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (٣/ ٣١٦) للبيهقي في دلائل النبوة في باب قصة الحديبية.
(٢) تروى هذه القراءة عن ابن عامر. تنظر: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ١٠١)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ١٦٦)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٥٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>