للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفسوق: الخروج من الشيء؛ يقال: فسقت الرطبة عن قشرها، ومن مقلوبه: فقست البيضة، إذا كسرتها وأخرجت ما فيها، ثم استعير لسلوك غير طريق الحق، قال رؤبة [من الرجز]:

فواسقا عن قصدها جوائرا (١) ...

{بِجَهالَةٍ} حال؛ كقوله: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ} (٢) أي: جاهلين بحقيقة الأمر ولا يريد صبح النهار؛ بل الصيرورة. والندم: ضرب (٢٧٠ /أ) من الغم يتجدد كلما تجدد له ذكر ندم عليه.

{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ (٧) فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨)}

{لَوْ} متعلقة بما قبلها؛ حال من أحد الضميرين في {فِيكُمْ} وهو المستتر المرفوع، أو البارز المجرور، والمعنى: أن فيكم رسول الله لو أطاع كل قائل وعمل بقول كل مشير لوقعتم في العنت والمشقة، وفيه دليل على أنه كانت تبدو منهم فرطات، وكذلك في قصة الوليد صدر من بعض الصحابة أن يشير على النبي صلى الله عليه وسلم بتصديق الوليد وتكذيب بني المصطلق. والعنت: المشقة؛ يقال: عنت الرجل: إذا جبر عظمه المكسور فجاء العظم معوجا، وأنه يكسر العظم ليجبر مستقيما، وذلك هو العنت، وإنما قدم خبر {أَنَّ} لأن سياق هذا الكلام يقتضي إنكار فعله من داخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرأي، فكان ذكرهم أهم. فإن قيل: لم قال: {لَوْ يُطِيعُكُمْ} ولم يقل: لو أطاعكم؟ قلت: لأن الفعل المضارع يدل على التكرر؛ كقولك: فلان يحمل الكلّ ويصل الرحم. ودخلت "لكن" مع أن شرطها مخالفة ما بعدها لما قبلها؛ لأن هؤلاء صفتهم غير صفة الذين قبلهم (٣). والكفر:

تغطية نعم الله وسترها بالجحود، والرشد: الاستقامة على طريق الحق مع تصلّب فيه من


(١) ينظر الرجز في: تفسير الطبري (١٥/ ٢٦١) قال ابن جرير: "يعني بالفواسق: الإبل المنعدلة عن قصد نجد، وكذلك الفسق في الدين إنما هو الانعدال عن القصد والميل عن الاستقامة".
(٢) سورة الأحزاب، الآية (٢٥).
(٣) هذا قول الزمخشري في الكشاف (٤/ ٤٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>