للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣)}

{أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ} ما تصبون في الأرحام من المني. {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ} بشرا عالما قويا. {أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ} لذات الإنسان وصفاته.

{نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ} وقهرنا العباد به {وَما نَحْنُ} بمغلوبين {عَلى أَنْ نُبَدِّلَ} في الأرض خلقا (٢٨٨ /ب) أطوع لله منكم ويخلقكم خلقا على غير الصفة التي أنتم عليها الآن.

{وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ} أن من قدر على عمل فعل فهو على إعادة مثله أقدر، وهم كانوا يعتقدون أن الله خالقهم؛ فلما لم يعملوا بهذا الاعتقاد كانوا كالمكذبين؛ فلهذا قال: {أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ} أي: توجدونه وتصورونه. {نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ} المعايش، وقدرنا بينكم الموت على تفاوت في طول العمر وقصره.

{عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ} قوما يخالفونكم في الخلقة والصفات والاعتقادات، وفي هذه الآية دليل على صحة القياس، حيث أنكر عليهم [أنهم] لم يقيسوا النشأة الثانية على الأولى (١)


(١) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (١٣/ ٢٩٧):" قال ابن بطال: وأول من أنكر القياس إبراهيم النظام وتبعه بعض المعتزلة وممن ينسب إلى الفقه داود بن علي، وما اتفق عليه الجماعة هو الحجة فقد قاس الصحابة فمن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار وبالله التوفيق. وتعقب بعضهم الأولية التي ادعاها ابن بطال بأن إنكار القياس ثبت عن ابن مسعود من الصحابة، ومن التابعين عن عامر الشعبي من فقهاء الكوفة وعن محمد بن سيرين من فقهاء البصرة. وقال الكرماني: عقد هذا الباب وما فيه يدل على صحة القياس وأنه ليس مذموما لكن لو قال من شبه أمرا معلوما لوافق اصطلاح أهل القياس قال: وأما الباب الماضي المشعر بذم القياس وكراهته فطريق الجمع بينهما: أن القياس على نوعين صحيح وهو المشتمل على جميع الشرائط، وفاسد وهو بخلاف ذلك فالمذموم هو الفاسد وأما الصحيح فلا مذمة فيه، بل هو مأمور به.
وقد ذكر الشافعي شرط من له أن يقيس فقال: يشترط أن يكون عالما بالأحكام من كتاب الله تعالى ويناسخه ومنسوخه وعامه وخاصه ويستدل على ما احتمل التأويل بالسنة وبالإجماع فإن لم يكن فبالقياس على ما في الكتاب فإن لم يكن فبالقياس على ما في السنة فإن لم يكن فبالقياس على ما اتفق عليه السلف وإجماع الناس ولم يعرف له مخالف، قال: ولا يجوز القول في شيء من العلم إلا من هذه الأوجه ولا يكون لأحد أن يقيس حتى يكون عالما بما مضى قبله من السنن وأقاويل السلف وإجماع الناس واختلاف العلماء ولسان العرب ويكون صحيح العقل ليفرق بين المشتبهات، ولا يعجل -

<<  <  ج: ص:  >  >>