للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التناجي. {مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ} بإضافة {نَجْوى} إلى {ثُلُثَهُ} أو جعلهم نفس النجوى مبالغة، وقرأ ابن أبي عبلة: "ثلاثة" و "خمسة" بالنصب (١) على الحال، أو بإضمار "يتناجون" روي أن اليهود والمنافقين كانوا إذا رأوا المؤمنين تغامزوا وتضاحكوا وتناجوا فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعلوا ثم عادوا، فنزلت {وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ} (٢) أي: يقولون: السام عليك، والسام: الموت. والتناجي بالبر والتقوى: أن تقولوا يا أيها النبي، يا أيها الرسول، ولا تقولوا: السام عليك. {لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ} كانوا يقولون: إن كان محمد نبيّا؛ فلم لا يعذبنا الله بما نقول؟ فقال الله: {حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ} عذابا.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١)}

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خطاب للمنافقين الذين آمنوا بألسنتهم، ويجوز أن يكون للمؤمنين وللمنافقين، يعني: إذا تناجيتم فلا تتشبهوا بأولئك {وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى}

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يتناج اثنان دون ثالث؛ فإن ذلك يحزنه" (٣).

{إِنَّمَا النَّجْوى} اللام في "النجوى" إشارة إلى التناجي بالإثم والعدوان؛ بدليل قوله:

{لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا} وليس الحزن بضار الذين آمنوا {شَيْئاً إِلاّ بِإِذْنِ،} {تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ} (٤) أي: توسعوا فيه، والمراد: مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتضامّون فيه؛ تنافسا على القرب منه وسماع كلامه صلى الله عليه وسلم. وقيل: هي مجالس القتال؛ كما سميت مقاعد في قوله:


(١) تنظر في: الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢٨٧)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٤٨٩).
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٢٨/ ١٤).
(٣) رواه البخاري رقم (٥٨١٤)، ومسلم رقم (٤٠٥٢).
(٤) قرأ "في المجلس" بالإفراد جمهور القراء، وقرأ "في المجالس" عاصم وحده.
تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ٢٣٦)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢٨٩)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٦٢٨)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٤٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>