للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما نَهاكُمْ عَنْهُ} وهذا القول أجود؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله:

{لِلْفُقَراءِ} بدل من قوله: {وَلِذِي الْقُرْبى} والمعطوف عليه، والذي منع الإبدال من {فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ} والمعطوف عليهما - وإن كان المعنى لرسول الله - أن الله أخرج رسوله من الفقراء في قوله: {وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} وأنه يرتفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التسمية بالفقر، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ خلاف الواجب في تعظيم الله عز وجل. قوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ} يعني:

الأنصار، والمعنى: تبوءوا الدار، وأخلصوا لله الإيمان؛ لأن الإيمان لا يتبوأ؛ وكقوله [من الرجز]:

علفتها تبنا وماء باردا (١) ...

وقوله [من الوافر]:

وزجّجن الحواجب والعيونا (٢) ...

أي: وكحلن العيون. وقوله: {مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: من قبل المهاجرين. وقيل: من قبل هجرتهم. قوله: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا} أي: طلب محتاج إليه مما استأثر به المهاجرون من الفيء وغيره. والخصاصة: الفقر والحاجة مأخوذ من خصاص الباب، وهي شقوقه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم أموال بني النضير على المهاجرين. ولم يعط الأنصار شيئا إلا ثلاثة نفر؛ صحابيين: أبا دجانة سماك بن خرشة وسهل، والحارث بن الصمة، وقال للأنصار:" إن شئتم جمعنا أموالكم وهذه الغنيمة وقسمناها بينكم وبين المهاجرين، وإن شئتم أبقينا أموالكم لكم، وخصصنا هذه الغنيمة بالمهاجرين. فقالت الأنصار: بل نقسم لهم أموالنا وديارنا، ونؤثرهم بهذه الغنيمة فلا نشاركهم فيها؛ فنزلت (٣).

والشح: اللوم، وأن تكون نفس الرجل كزة حريصة على المنع، كما قال [من الطويل]:

يمارس نفسا بين جنبيه كزّة ... إذا هم بالمعروف قالت له مهلا (٤)


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة الذاريات.
(٢) عجز بيت وصدره: إذا ما الغانيات برزن يوما، ينظر في: تفسير الطبري (٢٧/ ١٧٦)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٣٩٠)، غريب الحديث للخطابي (١/ ٣٣٠)، لسان العرب (زجج).
(٣) رواه الطبري في تفسيره (٢٨/ ٤١).
(٤) ينظر البيت في: الكشاف للزمخشري (٤/ ٥٠٥)، فيض القدير للمناوي (٥/ ٤٦٥) وهو في وصف رجل بخيل، وكزة: شحيحة منقبضة عن فعل الخير، إذا غلبها وأراد المعروف دعته إلى البخل وحجبته عن البذل فكأنها قالت له: أمهل فيطاوعها.

<<  <  ج: ص:  >  >>