للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦)}

خطأ رأيهم في موالاة الكفار بما يرجع إلى حال من والوه أولا، ثم ما يرجع إلى حال من اقتضى تلك الموالاة ثانيا؛ ليريهم أن ما أقدموا عليه من أي جهة نظرت إليه وجدته باطلا أي: كان فيهم مذهب حسن مرضي يتأسى به، ويتبع أثره، وهو قولهم لكفار قومهم ما قالوا؛ حيث كاشفوهم العداوة، وأظهروا البغضاء والمقت؛ حيث صرحوا بأنه ما كان من العداوة والبغضاء ليس إلا لكفرهم، ومتى دام هذا السبب دامت العداوة، حتى إذا آمنوا بالله وحده انقلبت العداوة مودة والبغضاء محبة، ولما نزلت هذه الآية تشدد المؤمنون في عداوة آبائهم وأبنائهم وجميع أقاربهم من الكفار، وعلم الله منهم الجد والصبر على تلك المشقة؛ فوعدهم بتيسر أمر المحبة وزوال العداوة بقوله: {عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ} الآية.

فلما فتح الله مكة أسلم خلق كثير من أهلها، وزالت الحقود وتحابوا.

وقيل: هو تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢٩٨ /ب) أم حبيبة بنت أبي سفيان فلانت عند ذلك عريكة أبي سفيان، وكانت أم حبيبة قد أسلمت، وهاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى أرض الحبشة، فتنصر وأرادها على النصرانية فأبت وصبرت على دينها، ومات زوجها فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي فخطبها وساق عنه إليها أربعمائة دينار، وبلغ ذلك أباها أبا سفيان، فقال: ذلك الفحل لا يقدع أنفه (١).

{عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)}


(١) قال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (٣/ ٤٥٤): غريب بهذا اللفظ. وروى أبو داود والنسائي من حديث عروة بن الزبير عن أم حبيبة: "أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم، وأمهرها عنه أربعة ألاف درهم، وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حسنة". قلت: رواه أبو داود رقم (١٨٠٢)، والنسائي رقم (٣٢٩٨).
ولا يقدع أي: لا يرتدع، وفحل لا يقدع أي: لا يضرب أنفه، وذلك إذا كان كريما. قال ابن الأثير: يقال: قدعت الفحل، وهو أن يكون غير كريم فإذا أراد ركوب الناقة الكريمة ضرب أنفه بالرمح أو غيره حتى يرتدع وينكف ". ينظر: لسان العرب (قدع)، النهاية لابن الأثير (٤/ ٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>