للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و {وَإِذْ} منصوب بإضمار اذكر، أو حينما قال لهم جرى كيت وكيت. كانوا يؤذون موسى {لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى} (١).

{وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي} وقد علمتم، أي: تؤذونني عالمين علما يقينيا أني رسول الله إليكم، وذلك يقتضي تعظيمي وتوقيري؛ لا أن تؤذوني لأن من عظم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد عظم الله، ومن آذاه كان الوعد لا حقا به. {فَلَمّا زاغُوا} عن الحق طبع الله على قلوبهم. روي أن الحواريين قالوا: يا روح الله، هل بعدنا أمة؟ قال: نعم أمة أحمد؛ حكماء علماء كأنهم من الفقه أنبياء يرضون من الله بالقليل من الرزق ويرضى منهم باليسير من العمل (٢). وانتصب {مُصَدِّقاً} و {وَمُبَشِّراً} على الحال أي: بعثت إليكم في حال تصديقي وتبشيري. ولا يجوز أن يعمل شيئا؛ لأن حروف الجر (٣٠٠ /ب) لا تعمل بأنفسها، إنما تعمل بما تضمنته من العامل الذي فيه رائحة الفعل.

مثلت حالهم بحال من ينفخ في ضوء الشمس ليطفئه {وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ} أي: ينصر الحق ويبلغ بحرمته حدّها.

{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤)}

{لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} أي: بالحجة. وقيل: هو إذا نزل عيسى حكم حكما عادلا، ويهلك في زمانه الملل كلها إلا الإسلام. قوله: {تُؤْمِنُونَ بِاللهِ} استئناف؛ كأنهم قالوا: كيف نعمل؟ قال: تؤمنون، وهو خبر معناه الأمر، ولهذا أجيب بقوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ} مجزوما، وإنما جاء لفظة {تُؤْمِنُونَ} على الخبر ولم يأت به على الأمر إعلاما أن هذا الإيمان والجهاد طريق موصل إلى الجنة قطعا وكذلك قول الداعي: غفر الله لك؛ كأن الدعاء استجيب؛ فهو يخبر


(١) سورة الأحزاب، الآية (٦٩).
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٥٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>