للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرهق: غشيان المحارم، والمعنى: أن الإنس باستعاذتهم بهم زادوهم كفرا وكبرا، وذلك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى في واد قفر في بعض مسايره، وخاف على نفسه قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه، يريد الجن وكبيرهم، فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا: سدنا الجن والإنس، فذلك رهقهم. أو: فزاد الجن الإنس رهقا بإغوائهم وإضلالهم؛ لاستعاذتهم بهم. {وَأَنَّهُمْ} وأنّ الإنس {ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ} هو من كلام الجن يقوله بعضهم لبعض. وقيل: الاثنان من جملة الوحي، والضمير في {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا} للجن، والخطاب في "ظننتم" لكفار قريش.

اللمس: المس، فاستعير للطلب؛ لأن الماس طالب متعرف، يقال: لمسه والتمسه وتلمسه، كطلبه واطّلبه وتطلبه. {مِنَّا الصّالِحُونَ} الأبرار المتقون. {وَمِنّا} قوم {دُونَ ذلِكَ} محذوف الموصوف؛ كقوله: {وَما مِنّا إِلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ} (١). {كُنّا طَرائِقَ قِدَداً} أي: ذوي مذاهب مختلفة. أو كنا في اختلاف أقوالنا مثل الطرائق المختلفة. والقدة: فعلة من قطع.

{وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنّا لَمّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) وَأَنّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥) وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧) وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨)}

{فِي الْأَرْضِ} و {هَرَباً} حالان، أي: لن نعجزه كائنين في الأرض وهاربين. {لَمّا سَمِعْنَا الْهُدى} القرآن فهو غير خائف، ولولا ذلك لقيل: فلا يخف، وفائدة العدول عن: لا يخف أنه يصير بتقدير ما ذكرناه أخيرا أن من يؤمن بربه فهو لا يخاف وهو حقيق بالأمن لا محالة.

{بَخْساً} أي: جزاء بخس أو رهق، ولا يخاف رهقا وفيه دليل على أن حق من آمن بالله (٣١٦ /أ) أن يجتنب المظالم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم" (٢).


(١) سورة الصافات، الآية (١٦٤).
(٢) رواه أحمد في المسند (٢/ ٣٧٩)، والترمذي رقم (٢٦٢٧)، والنسائي (٨/ ١٠٤)، وابن حبان في صحيحه رقم (١٨٠)، والحاكم في المستدرك (١/ ١٠) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>