للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦)}

{ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ} في اتباعهم للحق، فصار كل واحد منهم كالجزء من الجملة، ومنه قوله عليه السّلام: «من غشنا فليس منا» (١) وقال الشاعر [من الوافر]:

... فإني لست منك ولست منّي.

كانت حنة أم مريم نذرت وهي حبلى أن ولدها يكون خادما للكنيسة، وكان ذلك جائزا في شرعهم، فولدت أنثى وهي مريم، فشكت إلى ربها إخلاف ظنها أن يكون حملها ولدا ذكرا يخدم الكنيسة. فمن قرأ {وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ} بضم التاء، كان من كلامها، يعني: وأنت يا رب العالم بذلك. ومن قرأ {بِما وَضَعَتْ} (٢) وهو شاذ، كان من الله، أو من كلام الملائكة. قيل لها: لا تحتقري هذه المولودة، فالله أعلم بجلالة قدرها وأنه يخرج من ذريتها نبي كريم على الله، يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ومن قرأ {بِما وَضَعَتْ} كان من كلام الله، وليس خطابا لها (٢٣ /أ) ومعناه: أعلم بشرف هذه المولودة. {وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ} ومريم هي الخادمة. وقيل: مريم الكثيرة الزيارة للرجال والأول أشبه بهذه المولودة.

{وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها} روي عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مولود يولد إلا ويمسه الشيطان غير مريم وابنها؛ لأنه جعل بينه وبينهما حجاب، فأراد الشيطان الطعن عند ولادة كل واحد منها فطعن في الحجاب، ولم يصل»، ثم تلا {وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ}


(١) رواه مسلم في صحيحه رقم (١٠١)، وأحمد في المسند (٢/ ٤١٧)، وابن ماجه رقم (٢٥٧٥) بهذا اللفظ ورواه بلفظ «من غشنا فليس منا» مسلم رقم (١٠٢)، وأحمد في المسند (٢/ ٢٤٢)، وأبو داود رقم (٣٤٥٢)، والترمذي رقم (١٣١٥)، وابن ماجه رقم (٢٢٢٤)، واللفظان عن أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) قرأ ابن عامر وشعبة ويعقوب «وضعت»، وقرأ ابن عباس «وضعت»، وقرأ باقي العشرة «وضعت». تنظر القراءات في: البحر المحيط لأبي حيان (٢/ ٤٣٩)، الحجة لابن خالويه ص (١٠٨)، الدر المصون للسمين الحلبي (٢/ ٧٣)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٢٠٤)، فتح القدير للشوكاني (١/ ٣٣٥)، الكشاف للزمخشري (١/ ١٨٦)، النشر لابن الجزري (٢/ ٢٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>