للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضمير جئنا (١) للفاعل أو المفعول. {هَلْ يَنْظُرُونَ} إلا عاقبته، يؤمن به الكفار حين لا ينفعهم الإيمان. وقوله: {فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ} تمنّ من الكفار، ولا ينفع في حق الكفار شفاعة، كما أن ردهم إلى الدنيا ممتنع. {ثُمَّ اسْتَوى} ثم قهر واستولى (٢)؛ كقوله [من الرجز]:


(١) يعني في قوله - تعالى: جِئْناهُمْ في أول الآية.
(٢) اختلف الناس في الاستواء المذكور هنا فقالت المعتزلة: معناه: الاستيلاء بالقهر والغلبة واحتجوا بقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق قال ابن بطال: فأما قول المعتزلة فإنه فاسد لأنه لم يزل قاهرا غالبا مستوليا وقوله: ثم استوى يقتضي افتتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن ولازم تأويلهم أنه كان مغالبا فيه فاستولى عليه بقهر من غالبه وهذا منتف عن - الله سبحانه - وقالت المجسمة: معناه الاستقرار. قال ابن بطال: وأما قول المجسمة ففاسد أيضا؛ لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي وهو محال في حق الله - تعالى - ولائق بالمخلوقات لقوله - تعالى: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ وقوله: لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ قال: وقال بعض أهل السنة: معناه: ارتفع، وبعضهم معناه: علا، وبعضهم معناه: الملك والقدرة ومنه استوت له الممالك يقال لمن أطاعه أهل البلاد. وقيل: معنى الاستواء: التمام والفراغ من فعل الشيء، ومنه قوله - تعالى: وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى فعلى هذا فمعنى استوى على العرش: أتم الخلق، وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء. وقيل: إن (على) في قوله: عَلَى الْعَرْشِ بمعنى إلى فالمراد على هذا: انتهى إلى العرش أي: فيما يتعلق بالعرش؛ لأنه خلق الخلق شيئا بعد شيء. قال ابن بطال: وأما تفسير استوى علا فهو صحيح وهو المذهب الحق وقول أهل السنة؛ لأن الله - سبحانه - وصف نفسه بالعلي، وقال: سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ * وهي صفة من صفات الذات.
وأما من فسره: ارتفع ففيه نظر؛ لأنه لم يصف به نفسه، قال: واختلف أهل السنة هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل؟ فمن قال: معناه علا. قال: هي صفة ذات. ومن قال غير ذلك قال: هي صفة فعل، وإن الله فعل فعلا سماه استوى على عرشه لا أن ذلك قائم بذاته لاستحالة قيام الحوادث به.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: وقد ألزمه من فسره بالاستيلاء بمثل ما ألزم هو به من أنه صار قاهرا بعد أن لم يكن فيلزم أنه صار غالبا بعد أن لم يكن والانفصال عن ذلك للفريقين بالتمسك بقوله - تعالى: وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً * فإن أهل العلم بالتفسير قالوا: معناه: لم يزل كذلك، وقد نقل أبو إسماعيل الهروي في كتاب الفاروق بسنده إلى داود بن علي بن خلف قال: كنا عند أبي عبد الله بن الأعرابي يعني محمد بن زياد اللغوي فقال له رجل: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال: هو على العرش كما أخبر، قال: يا أبا عبد الله إنما معناه: استولى، فقال: اسكت لا يقال: استولى على الشيء إلا أن -

<<  <  ج: ص:  >  >>