{كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا} غني بالمكان إذا أقام به، وتسمى المنازل المغاني. {فَتَوَلّى عَنْهُمْ وَقالَ} مخاطبا لهم وهم موتى متحزنا متأسفا على هلاكهم: {يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي} وقد رتب قوم لوط على الوصف ضد مقتضاه، فإنهم إذا كانوا أناسا يتطهرون من الخبائث وأفعال السفهاء، فكان ينبغي أن يتقرب إلى قلوبهم، وأن يكرموا.
قيل في قوله:{وَأَمْطَرْنا} إن أمطر في الشر، ومطر في الخير. ولم يبين بينة شعيب، فقيل: إنه كان أعمى ثم أبصر ثم عمي ثم أبصر، وهذا ضعيف؛ لأن البصر بعد العمى يقع لنفر من المسلمين، ولنفر من الكفار فلا يكون معجزا، وكذلك قالوا في معجزة نوح:
إنه عاش ألف سنة وستين سنة، وهذا فاسد؛ لأنه إذا ادعى النبوة بعد أربعين من عمره قالوا له: ما معجزاتك؟ قال: إني أعيش ألف سنة، فيقولون له: حتى تستكملها ونعلم حينئذ صدقك، والصواب ما جاء في الحديث:«إذا استأثر الله بشيء فاله عنه»(١). فإذا لم يذكر الله معجزتهم لم نختلقها.
{وَتَصُدُّونَ} وتمنعون، والمفعول {مَنْ آمَنَ}{وَتَبْغُونَها عِوَجاً} وتطلبون بها اعوجاجا. {وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} من الأمم الذين قبلكم، فإنهم كذبوا فأهلكناهم. {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا} أي: لابد من وقوع أحد أمرين؛ إما إخراجنا إياكم، وإما رجوعكم إلى اعتقادنا. الواو في {أَوَلَوْ} واو الحال، أي: تخرجوننا ولو كنا كارهين، وتحتمل أن تكون واو عطف على محذوف، أي: أتخرجوننا إذا كنا
(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٢/ ٣٦٨)، وابن الأثير في النهاية في غريب الأثر (٤/ ٢٨٣) وقال: فاله عنه، أي: اتركه وأعرض عنه ولا تتعرض له.