للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

روي: «أن موسى عليه السّلام خطب الناس ووعظهم موعظة بليغة، فقال له رجل: هل تعلم أحدّا أعلم منك؟ فقال: لا. فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فقال: عبد لنا بمجمع البحرين هو أعلم منك. فقال: يا ربّ كيف السبيل إلى لقائه؟ قال: خذ حوتا في مكتل، فحيث فقدت الحوت فهو ثمّ، فتوجه هو ويوشع بن نون فتاه لطلبه، واتخذ حوتا في مكتل، فلما وصلا إلى المكان توضأ يوشع من عين، فأصاب الماء الحوت المشويّ - وكان قد أكل أحد شقيه - فحيى، ووقع في الماء، وصار الماء عليه مثل الطاق، ثم توجها لطلبهما بقية يومهما فوجدا التعب والجوع، فقال موسى لفتاه: آتنا غداءنا. فأخبره بخبر الحوت، فقال:

ذلك ما كنا نبغي. فرجعا يقصان الأثر، فوجدا الخضر. وقيل: إنهما دخلا في الماء في المكان الذي دخل فيه الحوت، فوجدا الخضر جالسا هناك، فسلّم موسى عليه، فقال الخضر: أنّى بأرضك السلام؟ فقال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟! قال: نعم، جئتك لتعلمني مما علمت رشدا. وتأدب موسى مع الخضر لما ردّه بقوله: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} (١٠٩ /ب) فقال له: {قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} فركبا في سفينة، فلما توسطا البحر خرق الخضر السفينة {شَيْئاً إِمْراً} أي: منكرا، وكذلك {نُكْراً} و {إِذا} وكانت الأولى من موسى نسيانا، فاعتذر عن فعله بنسيانه، فقبل عذره، ثم وجدا غلاما صبيح الوجه، فأخذه الخضر فقتله، فأنكر موسى عليه ثانيا، واختلف في أي الأمرين أشد؟ فقيل: خرق السفينة؛ لأنه يخشى بذلك هلاك خلق كثير. وقيل: قتل الغلام؛ لأنا تيقنّا ذهاب روحه بخلاف ركبان السفينة. قال له الخضر مغلظا عليه: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} فزاد لفظة {لَكَ} في الثانية دون الأولى، فحكّمه موسى عليه وقال: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي} قال النبي صلّى الله عليه وسلم: "وددنا لو أن موسى سكت حتى يقصّ الله علينا من خبرهما" (١).

{قالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَها فَلا تُصاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً (٧٦) فَانْطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً (٧٧) قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (٧٨)} {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ}


(١) رواه البخاري رقم (٤٧٢٧)، ومسلم رقم (٢٣٨٠)، وأحمد في المسند (١١٩، ١١٨، ٥/ ١١٦)، وأبو داود رقم (٤٧٠٧)، والترمذي رقم (٣١٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>