للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلذلك لم يكن له مثل في هذه العصمة. فإن قيل: سأل زكريا الولد، فلما بشر به قال:

أنى يكون لي ولد، فاستبعد ذلك. وجوابه: أنه لم يستبعده، وإنما قال: هل أبقى على الشيخوخة وزوجي على العقر، أو أتغير أنا إلى الشباب والزوجة إلى صلاح الولد، والعتي:

شدة الهرم ويبس الأعضاء، الكاف في {كَذلِكَ} في موضع رفع، أي: الأمر مثل ذلك، أو في موضع نصب، أي: قولا مثل ذلك. {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ} تفسير للقول، لقوله: {أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ} الآية تفسير لقوله: {ذلِكَ الْأَمْرَ} (١) ولم يكن شيئا أي: لا تستبعد حصول النتاج من وطئك، فإنني أوجدتك من العدم والله على كل شيء قدير.

{قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦)}

فسأل زكريا آية ترشده إلى أن المرأة قد حملت فقيل له: إنك لا تستطيع الكلام لكن ينطلق لسانك بالتسبيح، وإذا أراد غير التسبيح أشار لما يريد.

{سَوِيًّا} أي: لا آفة بلسانك. وقد احتج قوم على أن المعدوم ليس بشيء بقوله: {وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} وعورضوا بقوله: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} (٢) {فَأَوْحى} فأشار.

وقيل: كتب على الأرض {سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} {الْكِتابَ} التوراة. {الْحُكْمَ} العلم.

وقيل: النبوة. وقيل: دعاه الصبيان للعب فقال: ما للعب خلقنا (٣).

الحنان: الرحمة، وكان رحيما رفيقا بأبويه وغيرهما. {وَزَكاةً} طهارة. وقيل: صدقة كان يتصدق على المساكين.


(١) سورة الحجر، الآية (٦٦).
(٢) سورة الحج، الآية (١).
(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٥/ ٤٨٥) ونسبه للحاكم في تاريخه من طريق سهل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "قال الغلمان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، فقال يحيى: ما للعب خلقنا اذهبوا نصلي".

<<  <  ج: ص:  >  >>