للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)}

أراد تبصير أبيه بما الأب عليه من الضلال بألطف وجه، واستعطفه ب‍ {يا أَبَتِ}.

وقوله: {لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ} محذوف الفعل وليس مرادا بل المراد: ليس أهلا أن يسمع ولا يبصر، ومثله قوله - تعالى: {وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ} (١) وقوله: {وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً} يجوز أن يكون {شَيْئاً} نعتا لمصدر محذوف، أي: لا يغني عنك غناء شيئا. ويجوز أن يكون {يُغْنِي} بمعنى: ويدفع؛ كقوله: أغن عني وجهك، ويجوز في {يَسْمَعُ} و {يُبْصِرُ} كذلك. ثم قال لأبيه: إنني لا أدعي عليك مشيخة التعليم ولا إحاطتي بالعلوم، كأنه قال: هب أني لم أحط بالعلوم لكن جاءني شيء من العلم لم يأتك فاتبعني، ثم نبّهه على أن ما هو عليه من الاعتقادات الفاسدة والأعمال القبيحة إنما هو من وسوسة الشيطان وأعوانه، فكأنه لقبوله منه عابد للشيطان.

روي: "أن عدي بن حاتم الطائي دخل على النبي صلّى الله عليه وسلم وعديّ مستمرّ على نصرانيته وفي عنقه صليب من ذهب، فقرأ النبي صلّى الله عليه وسلم: {اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ} الآية (٢) فقال عدي بن حاتم: إنا لم نتخذهم أربابا، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: أليسوا يحلون لكم الشيء مما حرّمه الله فتحلونه، ويحرمون عليكم ما أحله الله فتحرمونه؟ فقال عديّ: بلى. فقال: فتلك عبادتهم" (٣).

واعلم أن العبادة غاية الذلة والخضوع، فلا تليق إلا لمن جل جلاله، فتقول: خضعت لزيد، وذللت لعمرو، ولا تقول: عبدتهما.

{أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ} إن قلت: القياس: إني أخاف أن تكون للشيطان وليّا فيمسك عذاب. قلت: رضوان الله أعظم من جنته، قال الله سبحانه: {وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ} إلى قوله: {وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ} (٤) فإذا ثبت أن رضوانه خير من جنته ثبت أن موالاة الشيطان (١١٤ /ب) أشد من العذاب. {أَراغِبٌ} قدّم الخبر على رأي من يرى أنه خبر للاهتمام؛ لأنه كان عند والد إبراهيم أهم. وقيل: إن {أَراغِبٌ} مبتدأ و {أَنْتَ} فاعل سدّ مسدّ خبر المبتدأ.


(١) سورة آل عمران، الآية (١٥٦).
(٢) سورة التوبة، الآية (٣١).
(٣) تقدم عند تفسير سورة التوبة، الآية (٣١).
(٤) سورة التوبة، الآية (٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>