للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصالحين عريق. الخلف بفتح اللام في الخير وبسكونها في الشر (١). وفي الغي قولان:

أحدهما: أنه واد في جهنم. والثاني: أنه ضد الرشاد، أي: جزاء غيّ. وفي {جَنّاتِ عَدْنٍ} قولان: أحدهما: أنه علم على جنة مخصوصة، كما جعلوا الفينة وسحر وأمس في من لم يصرفه - أعلاما لمعاني الفينة والسحر والأمس. والقول الثاني: أن المراد جنات إقامة، أي: أرض إقامة، وهو علم، ولولا ذلك لما ساغ الإبدال؛ لأن النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة. {مَأْتِيًّا} بمعنى آتيا، أو من أتاك فقد أتيته؛ لأنهم يأتون الجنة. قوله: {إِلاّ سَلاماً} هو دعاء بالسلامة، وأهل الجنة أغنياء عن الدعاء به؛ لأنه حاصل لهم، أي: إن قدر في الجنة كلام لغو فليس إلا هذا الدعاء بالسلامة. وقيل: هو استثناء منقطع.

{بُكْرَةً وَعَشِيًّا} يعني به الدوام، تقول: فلان يأتينا بكرة وعشيّا، فلا تريد الوقتين بعينهما، بل تريد الدوّام وكان المترفة من العرب وغيرهم يأكل أكلتين في النهار، فجرى الكلام على نحو ذلك. {الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ} جاء في الحديث: "أنه لن يدخل أحد النار حتى يرى مقعده من الجنة لو أطاع، فيقال له: هذا مقعدك، يعني: الجنة لو أطعت، وعكسه في دخول الجنة" (٢).

كانت العرب قد رحلوا إلى المدينة وسألوا أحبار اليهود عن نبوّة محمد صلّى الله عليه وسلم، وقالوا لهم:

أنتم أهل كتاب وعندكم علم الشرائع، فعلمونا سؤالا نورده على محمد لا يجد عنه جوابا، فقالوا: نعم، سلوه عن ثلاثة مسائل، فإن أجاب عنها كلها فليس بنبيّ وإن توقف عن الجواب في الكل فليس بنبيّ، والصواب الجواب عن بعضها دون بعض، والمسائل: سؤال عن فتية ذهبوا في الأرض مذاهب، فلم يعلم لهم خبر، وعن رجل طاف مشرق الأرض ومغربها، وعن الروح ما هو؟ (٣).


(١) قاله الزمخشري في الكشاف (٣/ ٢٦) وقال الفراء في معاني القرآن (٢/ ١٧٠): "وقد يكون في الرديء" خلف "وفي الصالح" خلف "؛ لأنهم قد يذهبون بالخلف إلى القرن بعد القرن".
(٢) رواه أحمد في المسند (٢/ ٥١٢)، والحاكم في المستدرك على الصحيحين (٢/ ٤٧٣) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول: لو أن الله هداني. فتكون عليه حسرة، وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول: لولا أن الله هداني. فيكون له شكر، ثم تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ " وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(٣) تقدم تخريجه في سورة الكهف، الآية (٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>