للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: نلقيك على مكان مرتفع عن الماء، وكانت بنو إسرائيل قد قالوا بعد غرق فرعون: ما يموت فرعون أبدا، لما ثبت في قلوبهم من الرّعب منه، فألقاه الموج على شاطئ البحر، وكان عليه درع من ذهب معروفة لا يلبسها إلا هو، فعرفوه وتحققّوا موته.

فقوله: {نُنَجِّيكَ} أي: نرفعك على مكان عال، وإلا ففرعون ما نجا، وفي المقامات [من البسيط]:

وكم دعاني مستنج فحادثني ... وما أخلّ ولا أخللت بالأدب (١)

وأراد بالمستنجي الجالس على المكان المرتفع، ولم يكن هناك خروج خارج من قبل ولا دبر. {اِتَّقَوْا} أي: الشرك. {جِثِيًّا} قيل: جثاة على الركب من الهول. وقيل: الجثي جمع جثوة، وهي الجماعة، كما قال: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً} (٢) {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً} (٣).

{وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤)}

قوله: {آياتُنا بَيِّناتٍ} الحال فيه غير منتقلة، وهو دليل على جوازها؛ لأن آيات القرآن دائمة البيان. وقوله: {لِلَّذِينَ آمَنُوا} أي: بسبب الذين آمنوا كقوله - تعالى: {الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ} (٤) أي: عن إخوانهم؛ لأنهم لو قالوه لهم لقال: ما متم وما قتلتم.

{نَدِيًّا} أي: مجلسا يجتمع فيه الأكابر. {وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ} رد لقولهم: {أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً} ومعنى الكلام: أنهم تفاخروا بجمال المجلس وجمال من يحضر فيه من الأكابر، ولم يغن عنهم ذلك من الله شيئا ولهذا قال: {مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً} أي:

أحسن صورا وهيئة.

{قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥)} {وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ}


(١) ينظر البيت في: مقامات الحريري (ص: ٣٧٧).
(٢) سورة النمل، الآية (٨٣).
(٣) سورة الزمر، الآية (٧٣).
(٤) سورة آل عمران، الآية (١٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>