للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الصّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨)}

قوله: {فَلْيَمْدُدْ} ظاهره أمر، ومعناه الخبر، كأنه قال: من كان في (١١٦ /ب) الضلالة مد له الرحمن واستدرجه بالنعمة والنقمة، وهذا كقوله صلّى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (١) أي: صنعت ما شئت. قوله: {حَتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ} حينئذ {مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ} ناصرا وأقل عددا، وهو أيضا ردّ على قولهم: {أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً}.

{وَالْباقِياتُ الصّالِحاتُ} المراد به الصلوات الخمس. وقيل: المراد سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، والأحسن أن يراد جميع الأعمال الصالحة، ويدخل فيه الصلاة والتسبيح؛ لأنه جمع معرف باللام فيقتضي العموم (٢). روي أن خباب بن الأرت (٣) رضي الله عنه عمل للعاص بن وائل السهمي فماطله بالأجرة، فلما ألحّ عليه قال: والله لا أعطيك شيئا حتى تكفر بمحمد، فقال: والله لا أكفر بمحمد حتى تموت ثم تبعث فقال: وإني لمبعوث بعد الموت؟! قال: نعم، قال: فسيكون لي هناك مال وأعطيك هناك، فنزلت هذه الآية {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا} (٤).

وقوله: {أَطَّلَعَ} دخلت فيه همزة الاستفهام على ألف الوصل، فسقطت ألف الوصل، كقوله: {أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً} (٥) {أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ} (٦) وجاء في الخبر أن "من


(١) رواه البخاري في صحيحه (٦١٢٠)، وأحمد في مسنده (١٢٢، ٤/ ١٢١)، وأبو داود رقم (٤٧٩٦)، وابن ماجه رقم (٤١٨٣)، وابن حبان في صحيحه (٢/ ٦٠٧)، عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
(٢) تقدم ذكر ذلك في سورة الكهف، الآية (٤٦).
(٣) هو خباب بن الأرت بن جندلة بن خزيمة من بني سعد، شهد بدرا مع النبي صلّى الله عليه وسلم وكان من السابقين الأولين، وأسلم قديما وكان من المستضعفين، أسلم سادس ستة وهو أول من أظهر إسلامه وعذب عذابا شديدا لأجل ذلك. مات سنة ٣٧ وهو ابن ٧٣ سنة وهو أول من صلى عليه وقبره علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين منصرفه من صفين.
تنظر ترجمته في: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر العسقلاني (٢/ ٢٥٨).
(٤) رواه البخاري في صحيحه رقم (١٩٨٥)، ومسلم رقم (٢٧٩٥).
(٥) سورة سبأ، الآية (٨).
(٦) سورة الصافات، الآية (١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>