للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{(٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ (٣٢)}

{إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ} أي: إلا كخلق نفس واحدة وبعثها؛ لأن الله تعالى لا يشغله شأن عن شأن، وهو يحاسب زيدا في وقت محاسبته لعمرو، ويبعث زيدا في وقت بعثه لعمرو. {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ} هو كقوله: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ} (١). وقيل: ما نقص من أحدهما زيد في الآخر. والأجل المسمى: يوم القيامة؛ لأنه لا ينقطع جريهما إلى ضد ذلك.

وقوله: {أَجَلٍ مُسَمًّى} توقيت. وقوله: {إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} انتهاء للغاية.

{ذلِكَ} الذي يوحى إليك من هذه الآيات بسبب بيان الله هو {الْحَقُّ} وأن إلها غيره باطل.

{وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} عن أن يشرك به شيئا. قرئ {الْفُلْكَ} بضم اللام (٢) وكل فعل يجوز فيه فعل؛ كما يجوز في كل فعل فعل على مذهب التعويض، وبنعمات الله - بسكون العين - ووزن فعلات يجوز فيه الكسر والفتح والسكون، والبحر {بِنِعْمَتِ اللهِ} بإحسانه ورحمته. يكثر الموج ويتراكم فيصير كالظلل، والظلة: كل ما أظلك من سحاب أو جبل أو غيرهما. {فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} المقتصد: المتوسط في الإخلاص، يعني: (١٨٥ /أ) أن ذلك الخوف حين كان في البحر لا يعود إلى الخائف. والمقتصد: قليل نادر. وقيل: مؤمن قد ثبت على ما عاهد الله عليه في البحر. والختر: أشد الغدر، ومنه المثل: إنك لا تمد لنا شبرا من غدر إلا مددنا لك باعا من ختر (٣).


(١) سورة الأعراف، الآية (٥٤).
(٢) قال السمين الحلبي في الدر المصون (٥/ ٣٩١) قرأ بها موسى بن الزبير.
(٣) ينظر المثل في: الكشاف للزمخشري (٣/ ٥٠٣)، لسان العرب (ختر) قال ابن منظور في اللسان: الختر: الغدر، ختر يختر فهو خاتر وختار للمبالغة. والختر: الفساد يكون ذلك في الغدر وغيره، يقال: ختره الشراب إذا فسد بنفسه وتركه مسترخيا، والختر كالخدر، وهو ما يأخذ عند شرب دواء أو سم حتى يضعف ويسكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>