للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأعدائه أنهم برءاء مما نسب إليهم. وقيل: كانوا يعبدون الجن؛ يطيعونهم فيما يغضب الله عز وجل. {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} معطوف على {لا يَمْلِكُ} والإشارة الأولى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والثانية إلى القرآن، والثالثة إلى الحق، والحق هو أمر النبوة كله، ودين الإسلام. وقوله:

{لَمّا جاءَهُمْ} (٢٠٤ /ب) دليل على مبادرتهم إلى الإنكار قبل أن يتأملوا الكلام وصحته؛ فبادروا بجعله سحرا بيّنا لا يخفى. {وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها} فيها برهان على صحة الشرك وما جآءهم بذلك رسول؛ كما قال عز وجل: {أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ} (١). أو وصفهم بأنهم {الْأَمِينُ *} لا يعلمون من العلم شيئا. وما بلغ هؤلاء المتأخرون {مِعْشارَ} ما أوتي أولئك المتقدمون ويجوز أن يراد: ما أوتي المتقدمون معشار ما أوتي المتأخرون من العلم بالشرائع وصفات الله تعالى. والمعشار: كالمرباع، وهما العشر والربع.

فإن قلت: فما معنى {فَكَذَّبُوا رُسُلِي؟} وهو مستغني عنه بقوله: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؟} قلت: لما كان معنى قوله عز وجل: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} وفعل الذين من قبلهم التكذيب وأقدموا عليه؛ جعل تكذيب الرسل مسببا عنه.

{بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا} بدل من قوله عز وجل {بِواحِدَةٍ} أو خبر ابتداء محذوف، أو منصوب بإضمار أعني، وأراد بالقيام؛ إما القيام عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفرقهم عنه وإما القيام [الذي لا يراد] (٢) به المثول على القدمين، بل المراد الاهتمام به والانتصاب لقضائه، والمعنى: أن تقوموا جماعات ومتفرقين، وإنما اقتصر على {مَثْنى وَفُرادى} دون غيرهما من الأعداد؛ لأن الإنسان إذا انفرد وحده بالفكر وعرض ما أدّاه إليه ذهنه على قواعد صحيحة إذا لم يكن متعسفا متقيدا بأشياء يحفظها من قديم الزمان؛ فربما ظهر له - على الأغلب - الصواب وكذلك الاثنان إذا اجتمعا وتناصفا من غير غرض لهما في البحث مع وجود الفكرة والروية، فالظاهر أنهما يصلان إلى الحق، فأما إذا كان العدد أكثر من ذاك ثار العجاج، واختلفت الآراء، ويجري كثير من ذلك في المجالس والمحافل ويبعد ظهور الصواب. وأراهم بقوله عز وجل: {ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} أن هذا الأمر العظيم


(١) سورة الروم، الآية (٣٥).
(٢) في الأصل: فلا يراد، والمثبت كما في الكشاف (٣/ ٥٨٩) وهو أنسب لسياق الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>