للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الذي تحته ملك الدنيا والآخرة جميعا لا يتصدى لادعاء مثله إلا رجلان؛ إما مجنون لا يبالي بافتضاحه إذا طلب بالبرهان فعجز، بل لا يدري ما الافتضاح وما (٢٠٥ /أ) رقبة العواقب؟ وإما عاقل راجح العقل، مرشح النبوة، مختار من أهل الدنيا، لا يدعيه إلا بعد صحته عنده بحجته وبرهانه، وإلا فما يجدي على العاقل دعوى شيء لا بينة عليه، وقد علمتم أن محمدا ما به من جنة، بل علمتموه أرجح قريش عقلا، وأرزنهم حلما، وأثقبهم ذهنا، وأصلبهم رأيا، وأصدقهم قولا، وأشرفهم نفسا، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحون به؛ فكان مظنة لأن تظنوا فيه الخير، وترجّحوا فيه جانب الصدق، وإذا فعلتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بأن يأتيكم بآية؛ فإذا أتى بها تبين أنه نذير مبين.

فإن قلت: بم يتعلق: {ما بِصاحِبِكُمْ؟} قلت: يجوز أن يكون كلاما مستأنفا تنبيها من الله عز وجل على طريقة النظر في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن المعنى: ثم تتفكروا فتعلموا ما بصاحبكم. وقد جوز بعضهم أن تكون "ما" في قوله: {ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} استفهامية. {بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ} كقوله عليه السلام: "بعثت في أنفاس الساعة" (١).

{قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩)}

قوله: {فَهُوَ لَكُمْ} جواب لقوله: {قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ} كقوله: {ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} الآية (٢). وفيه معنيان: أحدهما: نفي مسألة الأجر رأسا؛ كما يقول الرجل لصاحبه:

إن أعطيتني شيئا فخذه مني، وهو يعلم أنه لم يعط شيئا. والثاني: أن يريد بالأجر ما أراد في قوله: {قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى} (٣) لأن دعاءهم لتسبيح الله عز وجل، وتعظيمه نفعه عائد إليهم لا إليه، وكذلك المودة في القرابة لأنها قد انتظمته وإياهم.


(١) رواه الترمذي رقم (٢٢١٣) وقال: غريب، وضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي رقم (٣٨٨) وذكره في السلسلة الضعيفة رقم (٦٢٥) ونسبه للخرائطي في كتاب "فضيلة الشكر" وللديلمي، وقال: ضعيف جدا.
(٢) سورة فاطر، الآية (٢).
(٣) سورة الشورى، الآية (٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>