للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} أي: ومن هذه أحواله وصفاته لا يقضي إلا بالعدل والحق، وآلهتكم لا يقضون بشيء، وهذا تهكم بهم؛ لأن ما لا يوصف بالقدرة لا يقضي.

"هم" في قوله: {كانُوا هُمْ أَشَدَّ} فصل، وإنما دخلت بين معرفة ونكرة؛ لأن أفعل التفضيل إذا جاءت بصيغة {مِنْ} تشبه المعرفة في امتناع دخول لام التعريف عليه؛ فألحق بالمعارف. {وَآثاراً فِي الْأَرْضِ} قيل: أكثر آثارا. وقيل: أظهر وأمكن. كان فرعون يقتل الأولاد الذكور من بني إسرائيل ويبقي النساء؛ لأن الكهنة أخبرته أنه يولد في تلك السنة مولود يكون هلاكه وزوال ملكه على يده؛ فلم يغنه حذره، وسخر فرعون حتى ربى موسى في حجره، وهو الذي كان يحذره، ثم لما نبئ موسى وظهرت الآيات على يديه والمعجزات، قال فرعون: أعيدوا قتل الذكور من بني إسرائيل واستحيوا النساء خدما، وهو معنى قوله: {فَلَمّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} الآية.

{وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩)}

{ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى} كان فرعون إذا هم بقتله كفوه، وقالوا: ما هو بالذي نخافه، وكان فرعون قد امتلأ من ذلك غيظا، وكان يحس من موسى أنه يصير له شأن عظيم؛ فيقول لأصحابه: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى} وقوله: {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} دليل على أن فرعون كان شديد الجزع من موسى وتفاقم أمره، وهل رأى قط ساحرا أحدا عليما واستولى عليه بسحره حتى يقول: {إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ}

لما سمع موسى قول فرعون {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى} قال: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} الآية، وكانوا يعبدون (٢٣٦ /ب) فرعون ويعبدون أصنامه؛ بدليل قوله: {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} (١) وقال: {لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ} لأن من لم يؤمن بالجزاء لا يخاف العقاب.


(١) سورة الأعراف، الآية (١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>