للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمال وجزائها، ثم فرق بين دعوته إلى الله، ودعوة المشركين إلى الأصنام، فوقى الله المؤمن عقوبات الذين كفروا وحماه وعصمه، وحل {بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ}.

{وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠) وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥)}

وقوله: {بِغَيْرِ حِسابٍ} يدل على الكثرة، وأنه ليس مما يحصره العدد، وإنما كرر نداء قومه، وأتى بالواو في الثالث دون الثاني؛ فأما تكرير النداء ففيه زيادة إيقاظ، وأما دخول الواو في الثالث؛ فلأنها جملة أجنبية من الأول؛ بخلاف الثانية مع الأول. تقول: دعوته لكذا، أو دعوته إلى كذا؛ كقولك: هداه الطريق وهداه إلى الطريق. {ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} أي: بربوبيته، والمراد بنفي العلم نفي المعلوم. {لا جَرَمَ} لا نفي لما سبق، و {جَرَمَ} فعل ماض، أي: حق؛ هذا مذهب البصريين (١). أي: حق ووجب بطلان دعوته أو بمعنى كسبت؛ كقوله: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} (٢). ويجوز أن يراد بقوله: {لا جَرَمَ} أي:

لا بد من الجرم وهو القطع؛ أي: لا ينقطع استحقاقهم للعذاب؛ بل هو مستمر. {لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ} أي: دعوة تجاب، ومن حق المعبود بحق أن يدعو الناس إلى عبادته. وقوله: {فِي الدُّنْيا} لأنه في الدنيا جماد، وفي الآخرة ليس أهلا للشفاعة التي كانوا يرجونها منه، أو


(١) قال أبو البقاء العكبري: لا جرم: فيه أربعة أقوال: أحدها: أن "لا" رد لكلام ماض أي: ليس الأمر كما زعموا، و "جرم" فعل وفاعله مضمر فيه. والقول الثاني: أن "لا جرم" كلمتان ركبتا وصارتا بمعنى حقا. والثالث: أن المعنى لا محالة. والرابع: أن المعنى لا منع.
ينظر تفصيل تلك الأقوال في: التبيان في إعراب القرآن للعكبري (٢/ ٣٦)، الدر المصون للسمين الحلبي (٤/ ٨٨)، الكشاف للزمخشري (٤/ ١٦٩)، المحرر الوجيز لابن عطية (٣/ ١٦١)، معاني القرآن للزجاج (٣/ ٤٥)، مغني اللبيب لابن هشام (١/ ٣١٤).
(٢) سورة المائدة، الآية (٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>