للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: لا؛ لأن الجار والمجرور لا يعمل في الحال متقدما (١) تقول: كل يوم لك ثوب، ولا تقول: قائما في الدار زيد. {قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ} بحصول الجزاء؛ إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. قوله: {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} ولم يقل: لخزنتها؛ لأن اسمها فيه تهويل لا يحصل في الضمائر، ويحتمل أن يكون {جَهَنَّمَ} اسما لمكان مخصوص، يقال: بئر جهنم، أي:

بعيدة القعر، وقولهم في النابغة: إنه جهنام (٢)؛ أي: بعيد الغور في الشعر (٣). وفيها أعتى العصاة وأطغاهم، ولعل العصاة اعتقدوا أن الخزنة أقرب إلى إجابة الدعوة؛ ولهذا تعمدوهم بالسؤال، وامتنع الخزنة من الدعاء، وعللوه بأن الرسل كانت تأتيكم ومعهم المعجزات فكذبتموهم، ونحن لا نشفع إلا لمن ارتضاه الله.

{قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ (٥٠) إِنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥)}


(١) هذا قول الزمخشري في الكشاف. ورد عليه أبو حيان فقال: "وهذا الذي منعه أجازه الأخفش إذا توسطت الحال نحو: زيد قائما في الدار، وزيد قائما عندك، والتمثيل الذي ذكره ليس مطابقا في الآية؛ لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم وهو اسم" إن "وتوسطت الحال إذا قلنا إنها حال وتأخر العامل فيها. وأما تمثيله بقوله: ولا تقول:" قائما في الدار زيد "فتأخر فيه المسند والمسند إليه. واختار أبو حيان أن" كلا "على هذه القراءة بدل من اسم" إن ". وقال السمين الحلبي: وفيه نظر. واختار ابن مالك نصب" كلا "على الحال من الضمير المرفوع في" فيها "و" فيها "هو العامل، وتبع الأخفش في ذلك. ينظر تفصيل ذلك في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٤٤٩)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٤٦)،، شرح الكافية الشافية لابن مالك (١/ ٣٣٤)، الكشاف للزمخشري (٤/ ١٧١)، همع الهوامع للسيوطي (٣/ ١٣٨).
(٢) قال النووي في شرح صحيح مسلم (٢/ ١٢١):" جهنم: اسم لنار الآخرة عافانا الله منها ومن كل بلاء. قال يونس: وأكثر النحويين هي عجمية لا تنصرف للعجمة والتعريف. وقال آخرون: هي عربية لم تصرف للتأنيث والعلمية، وسميت بذلك لبعد قعرها؛ قال رؤبة: يقال بئر جهنام أي بعيدة القعر. وقيل: هي مشتقة من الجهومة وهي الغلظ يقال: جهم الوجه، أي: غليظة فسميت جهنم لغلظ أمرها والله أعلم ".
(٣) ذكر ذلك الزمخشري في الكشاف (٤/ ١٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>