للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَأَمّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨)}

{فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ} تعظموا فيها واستكبروا بما لا يوجب الكبر من كبر الأجساد وكثرة الأولاد فأهلكهم الله.

{مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً} كانت عاد ذوي قوة، كان الرجل منهم يقتلع الصخرة العظيمة فيأتي بها إلى منزله، ومعنى كونه تعالى قويّا أنه يفعل ما يعجز أرباب القوى عنه. (٢٤١ /ب) والقوة في الآدميين صحة البنية والتمكن من المقدورات. {يَجْحَدُونَ} كانوا يعرفونها وينكرونها وكانوا فجرة فسقة. الصرصر: الريح التي تصوت في هبوبها.

وقيل: الباردة التي تحرق بشدة بردها تكريرا للصر وهو البرد. الأصل في {نَحِساتٍ} نحسات: بكسر الحاء فخفف سكونها أو وصف بالمصدر كرجل عدل وفطر وصوم.

وقرئ "لنذيقهم" (١) الريح أو العذاب أو الأيام النحسات. {عَذابَ الْخِزْيِ} إضافة الشيء إلى صفته؛ كأنه قال: العذاب المخزي، كما تقول: فعل السوء، أي: الفعل السيء. قوله: {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى} إسناد مجازي، ووصف العذاب بالخزي أبلغ من وصفهم به؛ كما تقول: فلان له شعر، وله شعر شاعر.

{فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى} فاختاروا الضلالة. فإن قيل: معنى هديته أي: حصلت له الهدى، فكيف يجتمع ذلك مع قوله: {فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى؟} قلت: نزل السبب منزلة المسبب؛ فجعل الإيضاح والبيان بمنزلة الرشاد نفسه. {صاعِقَةُ الْعَذابِ} داهية العذاب، و {الْهُونِ} الهوان، وهو إما وصف بالمصدر أو بدل منه.


(١) تنظر القراءة في: البحر المحيط لأبي حيان (٧/ ٤٩١)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٦٢)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٤٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>