للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن نعم الله- أدام الله النعم لديه- إن الله قرن ألفاظه بفصل المقال، ووشح كلامه بضرب الأمثال، هي لب اللب، يضع فيه الهناء مواضع النقب. وهذا الشاعر مع تميزه وبراعته وتبريزه في صناعته، له في الأمثال خصوصا مذهب سبق به أمثاله. فأمليت ما صدر عن ديوانه من مثل واقع في فنه، بارع في معناه ولفظه، ليكون تذكرة في المجلس العالي؛ تلحظها العين العالية، وتعيها الأذن الواعية. ثم إن أمر أعلى الله أمره، أمليت- بمشيئة الله- ما وقع من الأمثال؛ في كل ديوان جاهلي أو مخضرم أو إسلامي، فما أجد من الأدباء من عمل في ذلك كتابا مقنعا، أو جمعا مسبعا. قرن الله السعادات بأيامه والمناجح بأعلامه.

قال المتنبي:

فعد بها لا عدمتها أبدا ... خير صلات الكريم أعودها.

إني لأعلم واللبيب خبير ... أن الحياة وان حرصت غرور.

صبرا بني إسحاق عليه تكرما ... إن العظيم على العظيم صبور.

يممت شاسع دارهم عن نية ... إن المحب على البعاد يزور.

فموتي في الوغى عيشي لأني ... رأيت العيش في أرب النفوس.

خ أهون بطول الثواء والتلف ... والسجن والقيد يا أبا دلف.

خ لو سكناي فيه منقصة ... لم يكن الدر ساكن الصدف.

خ غير اختيار قبلت برك بي ... والسجن والقيد يا أبا دلف.

خ إذا قيل رفقا للحلم موضع ... وحلم الفتى في غير موضعه جهل.

يفنى الكلام ولا يحيط بوصفكم ... أيحيط ما يفنى بما لا ينفد.

يفدي بنيك عبيد الله حاسدهم ... بجبهة العير يفدى حافر الفرس.

خير الطيور على القصور وشرها ... يأوي الخراب ويسكن الناووسا.

وما الكرام الطريف وإن تقوى ... بمنتصف من الكرم التلاد.

وإن الجرح يفثي بعد حين ... إذا كان البناء على فساد.

يجني الغنى للئام لو عقلوا ... ما ليس يجني عليهم العدم.

هم لا موالهم وليس لهم ... والعار يبقى والجرح يلتئم.

ودهر ناسه ناس صغار ... وإن كانت لهم جثث ضخام.

وما أنا نهم بالعيش فيهم ... ولكن معدن الذهب الرغام.

خليلك أنت لا من قلت خلي ... وإن كثر التجمل والكلام.

ولو حيز الحفاظ بغير عقل ... تجنب عنق صيقله الحسام.

وسبه الشيء منجذب إليه ... وأشبهنا بدنيانا الطغام.

ولو لم يرع غلا مستحق ... لرتبتهم أسامهم المسام.

ولو لم يعل إلا ذو محل ... تعالى الجيش وانحط القتال.

ومن خبر الغواني فالغواني ... ضياء في بواطنه ظلام.

تلذ له المروءة وهي تؤذي ... ومن يعشق يلذ له الغرام.

وقبض نواله شرف وعز ... وقبض نوال بعض القوم ذام.

أقامت في الرقاب له أياد ... هي الأطواق والناس الحمام.

وما الفضة البيضاء والتبر واحد ... نفوعان للمكدي وبينهما صرف.

وزارك بي دون الملوك تحرج ... إذا عن بحر لم يجز لي التيمم.

ولكن عين قرة في قربه ... حتى كأن مغيبه الأقذاء.

خ ولن حبا خامر القلب في الصبا ... يزيد على مر الزمان ويشتد.

خ وأصبح شعري منهما في مكانه ... وفي عنق الحسناء يستحسن العقد.

في سعة الخافقين مضطرب ... وفي بلاد من أختها بدل.

أبلغ ما يطلب النجاح به ال ... طبع وعند العمق الزلل.

ومن يك ذا فم مريض ... يجد مرا به الماء الزلالا.

ما كل من طلب المعالي نافذا ... فيها ولا كل الرجال فحولا.

خ الحب ما منع الكلام الألسنا ... وألذ شكوى عاشق ما أعلنا.

خ وانه المشير عليك في بضلة ... والحر ممتحن بأولاد الزنا.

خ ومكائد السفهاء واقعة بهم ... وعداوة الشعر بئس المقتنى.

لعنت مقارنة اللئيم فإنها ... ضيف يجر من الندامة ضيفا.

وأنفس ما للفتى لبه ... وذو اللب يكره إنفاقه.

لا افتخار إلا لمن لا يضام ... مدرك أو محارب لا ينام.

خ ذل من يغبط الذليل بعيش ... رب عيش أخف منه الحمام.

خ كل حلم أتى بغير اقتدار ... حجة لا جيء إليها اللئام.

من يهن يسهل الهوان عليه ... ما لجرح بميت إيلام.

<<  <   >  >>