للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واري الزناد ولا قدح ينال به ... بر يقصر عنه البحر في الكرم.

وبيت بديعية العلي قوله:

وكم نجا لصلاة منه ذو خطأ ... وصام في الحشر كي ينجي أولي الوضم.

وبيت بديعتي قولي:

محققون لتوهيم العدى أبدا ... كأنهم يعشقون البيض في القمم.

بيان التوهيم فيه أن قوله: يعشقون، يوهم السامع أن مراده بالبيض، الحسان، وإنما المراد بها السيوف، والله أعلم.

[الألغاز.]

من كل كاسر جفن لا هدو له ... من الغرار فخذ ألغاز وصفهم.

الألغاز مصدر الغزت الكلام، وفيه: أتيت بها مشتبها. قال ابن فارس: اللغز: ميلك بالشيء عن وجهه. وفي الإصطلاح: أن يأتي المتكلم بكلام يعمي به المقصود، بحيث يخفى على السامع فلا يدركه إلا بفضل تأمل ومزيد نظر.

ألقى يحيى بن أكثم على المتوكل قوله:

وباسطة بلا نصب جناحا ... وتسبق ما يطير ولا تطير.

إذا ألقمتها الحجر اطمأنت ... وتجزع أن يباشرها الحرير.

وقال أبو العلاء المعري في الآبر:

سعت ذا سم في قميصي فغادرت دبه أثرا والله يشفي من السقم.

كست قيصرا ثوب الجمال وتبعا ... وكسرى وجاءت وهي عارية الجسم.

وقال آخر في القلم:

وذي خضوع راكع ساجد ... ودمعه من جفنه جار.

مواظب الخمس لأوقاتها ... منقطع في خدمة الباري.

وقال موفق الدين علي بن الجزار في قرية السباحة:

وذات فم طورا تسبح ربها ... ولم تكتسب أجرا بتسبيحها قط.

معانقة الصبيان مضمرة الهوى ... كأن بقايا قوم لوط لها رهط.

وقال في قصب السكر:

وذي هيف كالغصن قدا إذا بدا ... يفوق القنا حسنا بغير سنان.

وأعجب ما فيه يرى الناس أكله ... مباحا قبيل العصر في رمضان.

وقال في خلخال:

ومضروب بلا ذنب ... مليح القد ممشوق.

حكى شكل الهلال على ... رشيق القد معشوق.

وأكثر ما يرى أبدا ... على الأمشاط في السوق.

قيل: أن بعض الناس لما سمع هذه الأبيات قال: دخلت السوق فلم أجد على الأمشاط شيئا.

ولما غلب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار رضي الله عنه على أصبهان في آخر أيام بني أمية، واجتمع عليه الناس، كتب إلى عمران بن هند يخبره بذلك، فأجابه عمران:

أتاني كتاب منك بالله سرني ... تخبرني فيه بإحدى العجائب.

تخبرني إن العجوز تزوجت ... على كبر منها كريم الضرائب.

فهناكم الله الكريم نكاحها ... وراش بها كل ابن عم وصاحب.

أراد بالعجوز الخلافة.

وحكي أن الشيخ نجم الدين الفقير سأل جماعة من الطلبة المشتغلين عليه عن قول الشاعر:

يا أيها الحبر الذي ... علم العروض به امتزج.

أبن لنا دائرة ... فيها بسيط وهزج.

ففكر بعضهم ساعة طويلة ثم قال: هذا في الدولاب، لأنه أراد بالبسيط: الماء، وبالهزج: صوته حال دورانه. فقال الشيخ: صدقت، إلا أنك أدرت الدولاب زمانا حتى ظهر لك المقصود.

وكتب شرف الدين شيخ الشيوخ بحماة إلى والده ملغزا في باب بقوله:

وواقف بالمخرج ... يذهب طورا ويجري.

لست تخاف شره ... ما لم يكن بمرتج.

فكتب إليه والده: ذهاب ومجيء، وخوف وشر، هذا باب خصومة السلام.

ويحكى عن أبي عطاء السندي الشاعر المشهور، أنه كانت في لسانه عجمة أهل السند، فاجتمع حماد الراوية، وحماد عجرد، وحماد بن الزبرقان النحوي، وبكر بن مصعب المزني في بعض الليالي ليتذاكروا، فقالوا: ما بقي شيء ألا تهيا لنا في مجلسنا هذا، فلو بعثنا إلى أبي عطاء السندي ليحضر عندنا ويكمل به المجلس. فأرسلوا إليه، فقال حماد بن الزبرقان: أيكم يحتال لأبي عطاء حتى يقول: جرادة، وزوج، وشيطان- وإنما اختار له هذه الألفاظ لأنه كان يبدل الجيم زالا، والشين سينا- فقال حماد الراوية: أنا أحتال له في ذلك. فلم يلبثوا أن جاءهم أبو عطاء، فقال: هياكم الله، فقالوا له مرهبا مرهبا- يريدون مرحبا مرحبا على لغته- فقالوا: ألا تتعشى؟ فقال: تعسيت- بالسين- فهل عندكم نبيذ؟ فقالوا: نعم، فأتي بنبيذ فشرب حتى استرخى، فقال له حماد الراوية: يا أبا عطاء، كيف معرفتك باللغز؟ فقال: هسن- يريد حسن- فقال: له ملغزا في جرادة:

<<  <   >  >>