وللمكارم أعلام تعلمنا ... مدح الجزيلين من بأس ومن كرم
وللعلا ألسن تثني محامدها ... على الحميدين من فعل ومن شيم
وراية الشرف البذاخ ترفعها ... يد الرفيعين من مجد ومن همم
وقول الآخر:
أمسي وأصبح من تذكاركم قلقا ... يرثي لي المشفقان الأهل والولد
وغاب عن مقلتي نومي لغيبتكم ... وخانني المسعدان الصبر والجلد
لا غرو للدمع أن تجري غواربه ... وتحته المظلمان القلب والكبد
كأنما مهجتي شلو بمسبعه ... ينتابه الضاربان الذئب والأسد
لم يبق غير خفي الروح في جسدي ... فدى لك الباقيان الروح والجسد
وانتقد أهل الأدب قول هذا الشاعر في أول أبياته (يرثي لي المشفقان الأهل والولد) وقالوا: ان شفقة الأهل والولد, ليست أمرا عجيبا, فكان ينبغي أن يقول (يرثي لي المبغضان الضد والحسد) , كما قال الآخر:
يرثي له الشامت مما به ... يا ويح من يرثي له الشامت
وما أحسن قول الشريف ابن الهبارية في أول الصادح والباغم:
الحمد لله الذي حباني ... بالأصغرين القلب واللسان
وقول شيخنا العلامة محمد بن علي الشامي من قصيدة:
إني منيت وما الأقدار واحدة ... بجائر طرفه أمضى من القدر
بواحد الحسن ثاني الريم في الحور ... وثالث النيرين الشمس والقمر
وبيت بديعية صفي الدين قوله:
أمي خط أبان الله معجزه ... بطاعة الماضيين السيف والقلم
ولم ينظم ابن جابر هذا النوع وبيت بديعية عز الدين الموصلي قوله:
ومن عطاياه روض وشعته يد ... تغني عن الأجودين البحر والديم
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
ووشع العدل منه الروض فاتشحت ... بحلة الأمجدين العهد والذمم
وبيت بديعية الطبري قوله:
عمت مواهبه ما وشعت يده ... أثرى ذوي المتعبين الهم والألم
هذا البيت سكيت هذه الحلبة وبيت بديعيتي هو:
لقد تقمص بردا وشعته له ... فخرا يد الأعظمين البأس والكرم
وبيت بديعية المقري قوله:
لم يقر في كتب مقرى كتابته ... فوائد الزاخرين العلم والكرم
[التكميل]
تكميل قدرته بالحلم متصف ... مع المهابة في بشر وفي أضم
التكميل عبارة عن أن يأتي المتكلم بمعنى تام في فن من الفنون, فيرى الاقتصار عليه ناقصا فيكمله بمعنى آخر في غير ذلك الفصل الذي أتى به أولا, كمن مدح إنسانا بالحلم فيرى الاقتصار عليه بدون مدحه بالبأس ناقصا فيكمله بذكره.
كقول كعب بن سعد الغنوي:
حليم إذا ما الحلم زين أهله ... مع الحلم في عين العدو مهيب
فان المدح بالحلم تم في المصراع الأول, ولكن أراد تكميله بالهيبة, فانه إذا لم يعرف منه إلا الحلم لم يهبه العدو, فقال (مع الحلم في عين العدو مهيب) . وتكلف من جعله احتراسا. نعم قوله: إذا ما الحلم زين أهله, احتراس.
وقول الفرزدق:
لعن الإله بني كليب أنهم ... لا يغدرون ولا يفون لجار
وقد تقدم بيان التكميل فيه في باب الطباق. واعلم أن أكثر علماء المعاني جعلوا التكميل والاحتراس شيئا واحدا, والمحققون من المتأخرين وأصحاب البديعيات على أن كلا منهما نوع برأسه. فإن التكميل يرد على المعنى التام فيكمل أوصافه, والاحتراس يرد على المعنى الموهم خلاف المقصود, فيدفع ذلك الوهم, كما ستعرفه في بابه إنشاء الله تعالى.
ومن العجيب أن ابن حجة فرق بين الاحتراس والتكميل تبعا للصفي, ثم قال في البيت المذكور: قوله (إذا ما الحلم زين أهله) احتراس لولاه لكان المعنى في المدح مدخولا, إذ بعض التغاضي قد يكون عن عجز يوهم أنه حلم, فإن التجاوز لا يكون حلما محققا إلا عن قدرة, وهو الذي قصده الشاعر بقوله (إذا ما الحلم زين أهله) فإن الحلم ما يزين أهله إلا إذا كان عن قدرة, وهذا القدر غاية في باب التكميل. انتهى.