للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبيت بديعية الشيخ عبد القادر الطبري جمع فيه مع الاكتفاء عتاب المرء نفسه، ورد العجز على الصدر، وهو من النوع الأول من الاكتفاء، ولم يلتزم التورية وهو قوله:

لم ترعو النفس عتبا ويحك أتته عن ... تصدير غيك كيما نكتفي بلم

ما أحق هذا البيت بكلام ابن حجة الذي تكلم به على بيت الصفي الحلي.

وبيت بديعيتي من النوع الثاني من الاكتفاء، وهو الذي يكون ببعض الكلمة مع زيادة التورية والتلميح، وهو قولي:

لم يكتفوا بي عميدا في محبتهم ... بل كل ذي نظر فيهم أراه عمي (دا)

أردت بقولي (عمي) عميدا، وهذا هو الاكتفاء ببعض الكلمة. وفي الظاهر أن المراد بعمي: اسم فاعل من عمي يعمى، وهذا هو التورية، ويرشحها لذلك قولي (كل ذي نظر) وفيه تلميح لقوله عليه وآله السلام: حبك لشيء يعمي ويصم، وهذا هو التلميح.

وبيت بديعية الشيخ شرف الدين المقري من النوع الأول من الاكتفاء والتزم فيه التورية، وهو قوله:

ألم أقل لك أن اللوم آلمني ... وزاد في لوعتي يوم النوى ألم

قال ناظمه في شرحه: الاكتفاء بقوله (ألم) لأن صدر البيت (ألم أقل لك) فلا يخفى أن مراده: ألم أقل لك، فاكتفى بذلك. وفيه أيضاً التورية فإنه يحتمل أنه أراد: ألمي، من الألم، فإن لفظة (آلمني) رشحتها لذلك، فيكون معناه: ألمي ما للوم زاد في لوعتي. وفيه أيضاً رد العجز على الصدر.

[رد العجز على الصدر]

بهجرهم كم وكم فل الهوى أمما ... ورد عجزا على صدر بهجرهم

هذا النوع سماه بعضهم بالتصدير، والأول أولى، لأنه مطابق لمسماه، وخير الأسماء ما طابق المسمى. وهو في النثر: أن يجعل أحد اللفظين المكررين، أعني المتفقين في اللفظ والمعنى أو المتجانسين وهما المتشابهان في اللفظ دون المعنى، أو الملحقين بالمتجانسين، وهما اللفظان اللذان يجمعهما الاشتقاق أو شبهه، في أول الفقرة، واللفظ الآخر في آخرها فيكون أربعة أقسام.

الأول: أن يكونا مكررين، كقوله تعالى: (تخشى الناس والله أحق أن تخشاه) .

والثاني: أن يكونا متجانسين، نحو قولهم: سائل اللئيم يرجع ودمعه سائل.

والثالث: أن يجمع اللفظين الاشتقاق، نحو قوله تعالى: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا) .

والرابع: أن يجمعهما شبه الاشتقاق، نحو قوله تعالى: (قال إني لعملكم من القالين) .

وفي النظم: على أربعة أقسام وهو: أن يقع أحد اللفظين في آخر البيت، والآخر في صدر المصراع الأول، أو حشوه، أو عجزه، أو صدر المصراع الثاني؛ فهذه أربعة أقسام.

وعلى كل تقدير، فاللفظان إما مكرران، أو متجانسان، أو ملحقان بهما، فتصير الأقسام اثني عشر، حاصلة من ضرب أربعة في ثلاثة، وباعتبار أن الملحقين قسمان، لأنه إما أن يجمعهما الاشتقاق، أو شبه الاشتقاق تصير الأقسام ستة عشر، حاصلة من ضرب أربعة في أربعة.

فالأول، وهو وقوع أحد اللفظين في آخر البيت، والآخر في صدر المصراع الأول، واللفظان مكرران، مثاله قول الشاعر:

سريع إلى ابن العم يلطم وجهه ... وليس إلى داعي الندى بسريع

وقول أبي نواس:

وحياة رأسك لا أعود ... لمثلها وحياة رأسك

وقول البستي:

سحبان من غير مال باقل حصر ... وباقل في ثراء المال سحبان

وقول ابن جابر الأندلسي:

جمال هذا الغزال سحر ... يا حبذا ذلك الجمال

هلال خديه لم يغب ... عني وإن غيب الهلال

غزال أنس يصيد أسدا ... فأعجب لما يصنع الغزال

دلاله دلّ دل شوق ... علي إذ زانه الذلال

كماله لا يخاف نقصا ... دام له الحسن والكمال

نباله قد رمت فؤادي ... لا أخطأت تلكم النبال

حلال وصلي له حرام ... وحكم قتلي له حلال

زلال ذاك اللمى حلالي ... وأين لي ذلك الزلال

قتاله لا يطاق لكن ... يعجبني ذلك القتال

والثاني، وهو وقوع أحد اللفظين المكررين في آخر البيت، والثاني في حشو المصراع الأول، مثاله قول الشاعر:

تمتع من شميم عرار نجدٍ ... فما بعد العشية من عرار

وقول جرير:

سقى الرمل جون مستهل غمامه ... وما ذاك إلا حب من حل بالرمل

وقول زهير:

كذلك خيمهم ولكل قوم ... إذا مستهم الضراء خيم

وقول أبي تمام:

<<  <   >  >>