واصله قول الآخر:
وإني لأستغشي وما بي نعسة ... لعل خيالا منك يلقى خياليا.
وهذا غير بعيد أن يكون أيضاً من هذا الضرب، إلا أنه لا يبلغ في الغرابة والبعد عن العادة ذلك المبلغ، فأنه قد يتصور أن يريد المغرم المتيم إذا بعد عهده بحبه أن يراه في المنام فيريد النوم لذلك خاصة.
ومن لطيف هذا القسم قول ابن المعتز:
قالوا اشتكت عينه فقلت لهم ... م كثرة القتل مسها الوصب.
حمرتها من دماء من قتلت ... والدم في النصل شاهد عجب.
وقول الآخر:
أتتني تؤنبني بالبكا ... فأهلا بها وبتأنيبها.
تقول وفي عينه حشمة ... أتبكي بعين تراني بها.
فقلت إذا استحسنت غيركم ... أمرت الدموع بتأديبها.
فإن العادة في دمع العين أن يكون السبب فيه إعراض الحبيب واعتراض الرقيب ونحو ذلك من الأسباب الموجبة للاكتئاب، لا ما جعله من التأديب على الإساءة باستحسان غير الحبيب.
وأما الثالث وهو الوصف الغير ثابت، الذي أريد إثباته وهو ممكن.
فكقول مسلم بن الوليد:
يا واشيا حسنت فينا إساءته ... نجى حذارك إنساني من الغرق.
فإن استحسان إساءة الواشي وصف غير ثابت له أراد إثباته، وهو ممكن، فلما حالف الناس فيه عقبة بذكر سببه، وهو أن حذاره من الواشي منعه من البكاء، فسلم إنسان عينه من الغرق في الدموع، وما حصل به ذلك فهو حسن.
وقول الآخر:
ولقد هممت بقتلها من حبها ... كيما تكون خصيمتي في المحشر.
حتى يطول على الصراط وقوفنا ... فيلذ عيني من لذيذ المنظر.
لما ادعى أمرا غير ثابت ولا معتاد، وهو هم العاشق بقتل محبوبته، علله بطول الوقوف معها للمخاصمة يوم المحشر على الصراط، لتلتذ عينه بالنظر إليها.
ويقرب من هذا ما نقل عن بعض العارفين أنه قال: وددت أن يكون جميع ذنوب الخلق علي ليكون لي بكل ذنب مع الله حساب.
وأما الرابع وهو الوصف المذكور غير الممكن.
فكقول الخطيب القزويني وهو معنى بيت فارسي ترجمه:
لو لم تكن نية الجوزاء خدمته ... لما رأيت عليها عقد منتطق.
فنية الجوزاء خدمة الممدوح وصف غير ممكن أراد إثباته، وجعل الانتطاق علة له، ومما يحلق بحسن التعليل ما بني على الشك، وإنما الحق به ولم يجعل منه، لأن حسن التعليل فيه ادعاء وإصرار والشك ينافيه.
ومثاله قول أبي تمام:
ربي شفعت ريح الصبا بنسيمها ... إلى المزن حتى جادها وهو هامع.
كأن السحاب العز غيبن تحتها ... حبيبا فما ترقى لهن مدامع.
فعلل على سبيل الشك نزول المطر من السحاب بأنها غيبت حبيبا تحت تلك الربى فهي تبكي عليه.
وهذا المعنى يشير إلى قول محمد بن وهيب:
طلان طال عليهما الأمد ... درسا فلا علم ولا نضد.
لبسا البلى فكأنما وجدا ... بعد الأحبة مثل ما أجد.
وبيت بديعية الصفي قوله:
لهم أسام سوام غير خافية ... من أجلها صار يدعى الإسم بالعلم.
وبيت بديعية ابن جابر قولك:
لم تبرقت إلا أنها فرحت ... إذا ظللته فأهدت حسن مبتسم.
وبيت بديعية الموصلي قوله:
تعليل طيب نسيم الروض حتى سرى ... بأنه نال بعضا من ثنائهم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
نعم وقد طال تعليل النسيم لنا ... لأنه مر في آثار تربهم.
وبيت بديعية المقري قوله:
لو لم يكن أصله في طيب عنصره ... مسكا لما جا ختام الرسل كلهم.
وبيت بديعية العلوي قوله:
لولا العناية فيه قبل ما سبقت ... لم يخلق الناس والدنيا من العدم.
وفي كون هذا من حسن التعليل نظر ظاهر.
وبيت بديعيتي قولي:
ما حسن تعليل نشر الريح إذ نسمت ... إلا لإلمامها يوما بأرضهم.
[التعطف.]
من التعطف مازالوا على خلق ... إن التعطف معروف لخلقهم.
التعطف في اللغة مصدر تعطف الشيء إذا تثنى ومال بعضه إلى بعض. وفي الاصطلاح، أن يأتي الشاعر في المصراع الأول من البيت بلفظة ويعيدها بعينها، أو بما يتصرف منها بالمصراع الثاني، فشبه مصراعا البيت في انعطاف أحدهما على الأخر بالعطفين، في كون كل عطف منهما يميل إلى الجانب الذي يميل إليه الآخر. وهو شبيه بالترديد، والفرق بينهما من وجهين: