وارع النظير من القوم الآلي سلفوا ... من الشباب ومن طفل ومن هرم
المناسبة فيه ظاهرة وهي بين الشباب والطفل والهرم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
ذكرت نظم اللآلي والحباب له ... راعى النظير بثغر منه منتظم
المناسبة بين نظم الآلي والحباب والثغر المنتظم، ومعنى البيت أنه ذكر الآلي والحباب لمحبوبه، فراعى النظير بثغر منه منتظم، كأنه تبسم عند ذكر ذلك له.
فكان يجب عطف قوله: راعى النظير (بالفاء) على قوله (ذكرت) كما قدرناه ليفهم المعنى ويصح التركيب، والوصل بين الجملتين بالعطف متعين في مثل هذا التركيب عند أرباب المعاني، وبسبب هذا الفصل خفي معنى البيت على بعض الأدباء، فأعرب الحباب مبتدأ، وجعل قوله: راعى النظير خبره وأعاد الضمير المستتر (في راعى) على الحباب، واستعار له الثغر، وهذا خبط منه سببه هذا الفصل القبيح والصواب ما ذكرناه أولا.
ولا أعجب إلا من إعجاب ابن حجة بهذا البيت حتى قال: إن مهجته ذابت لعدم الإطناب في مدحه، مع أن ما ذكره فيه فوق الإطناب والله أعلم.
والشيخ عبد القادر الطبري جمع بين هذا النوع والتخلص في بيت واحد فقال:
راعي النظير طوى نشر العلى عملا ... رام التخلص للمختار في الأمم
ليس في هذا البيت من مراعاة النظير شيء أصلا غير الاسم، وأما قوله: طوى نشر العلى فهو مطابقة لا مناسبة، وقد تقدم تقييدهم المناسبة في هذا النوع بكونها لا بالتضاد، احترازا من المطابة. وأما معنى البيت فعلمه عند ربه. وما أقبح هذا التخلص الذي أتى به، فإن الاقتضاب أحسن منه بكثير.
وبيت بديعيتي هو قولي:
وقد قصدت مراعاة النظير لهم ... من جلنار ومن ورد ومن عنم
المناسبة بين الجلنار والورد والعنم ظاهرة، لكن في تناسب هذه الثلاثة في اللون وهو الحمرة مناسبة معنوية أخرى، والعنم قال في القاموس: شجرة حجازية لها ثمرة حمراء يشبه بها البنان المخضوب.
وبيت بديعية الشيخ شرف الدين المقري قوله:
قلبي الكليم بموسى اليأس من خضر ... هود بإسحاقه عيسا خليلهم
مراعاة المناسبة في هذا البيت من النوع الثاني من مراعاة النظير، فإنه ناسب في الظاهر بين أسماء الأنبياء عليهم السلام، ومقصوده غيرها.
قال ناظمه في شرحه: معناه، قلبي الكليم، أي الجريح، بموسى اليأس هنا ضد الرجاء واستعار له موسى يجرح بها، وقوله: من خضر، صفة محبوبه. ثم قال: (هود بإسحاقه عيسا خليلهم) فعيسا: تثنية عيس وهي الإبل، والإسحاق: الإبعاد، وهاد: إذا رجع.
يقول: إن الإبل هود بإبعاده، أي راجعة بإبعاده. يقال: هادت الإبل تهود هودا، فهي هود، إذا رجعت. انتهى بنصه.
ولعمري لقد تكلف الشيخ في هذا البيت ما شاء، والسهولة والانسجام غير هذا.
[التوجيه]
رفعت حالي إليهم إذ خفضت وقد ... نصبت طرفي إلى توجيه رسلهم
التوجيه، قال ابن حجة: مصدر توجه إلى ناحية كذا، إذا استقبلها وسعى نحوها. انتهى.
وهو غلط واضح دل على عدم معرفته باللغة والصرف، وإنه كان فيهما راجلا جدا، إذ لا يخفى على أصغر الطلاب أن التوجيه مصدر وجهه إلى كذا توجيها، كما يقال: وجهت وجهي لله سبحانه. وقد يقال: وجهت إليك، بمعنى توجهت، لازما. وأما توجه، فمصدره التوجه، وهذا أمر قياسي ولا يحتاج فيه إلى سماع.
قال ابن مالك في الخلاصة:
وغير ذي ثلاثة مقيس ... مصدره كقدس التقديس
وزكه تزكية وأجملا ... إجمال من تجملا تجملا
قال ابنه في شرحها: إن كان الفعل على فعل فمصدره من الصحيح اللام، على تفعيل نحو قدس تقديسا، وعلم تعليما. ومن المعتل على تفعلة، نحو زكى تزكية، وغطى تغطية. وإن كان على تفعل فمصدره على تفعل، نحو تجمل تجملا، وتعلم تعلما، وتفهم تفهما. انتهى.
وابن حجة لم يتعلم ولم يتفهم، فجعل التوجيه مصدر توجه، قولا بغير علم.
وأما التوجيه في اصطلاح البديعيين فهو عند جماعة كالسكاكي، والخطيب والطيبي اسم لمسمى الإبهام المتقدم ذكره، وهو إيراد الكلام محتملا لمعنيين متضادين لا يتميز حدهما عن الآخر، كالمديح والهجاء وغيرهما، والإبهام عند هؤلاء: اسم مرادف للتورية لا لهذا المعنى.