شربت على المائين من ماء كرمة ... وماء كدر ذائب وعقيق
على قمري أفق وأرض تقابلا ... فمن شائق حلو الهوى ومشوق
فما زلت أسقيه واشرب ريقه ... وما زال يسقيني ويشرب ريقي
وقلت لبدر التم تعرف ذا الفتى ... فقال نعم هذا أخي وشقيقي
قال القاضي شمس الدين بن خلكان: وهذه الأبيات من أملح الشعر وأظرفه.
وقول مؤيد الدولة أسامة بن مرشد:
شكا ألم الفراق الناس قبلي ... وروع بالنوى حي وميت
وأما مثل ما ضمت ضلوعي ... فإني ما سمعت ولا رأيت
ومن الشعر المشهور بالرقة والسهولة قول الحسن بن مطير على ما في الغرر والدرر للمرتضى:
ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح
أباها جميع الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح
أئن من الشوق الذي في جوانحي ... أنين غصيص بالشراب قريح
وكان سلطان مكة المشرفة الشريف محسن بن الحسين بن الحسن الحسني يطرب لهذه الأبيات كثيراً ويعجب لها، فسأل ابن عمه السيد احمد بن مسعود بن الحسن تذييلها، فذيلها بقوله:
على سالف لو كان يشرى زمانه ... شريت ولكن لا يباع بروحي
تقضى وأبقى لا عجا ُيستفزه ... تألق برق أو تنم ريح
وقلباً إلى الأطلال والضال لم يزل ... نزوعاً وعن أفياه غير نزوح
فليت بذاك الضال نجب أحبتي ... طلاحاً فنضو الشوق غير طليح
يجشمه بالا برقين منيزل ... وبرق سرى وهنا وصوت صدوح
وموقف بين لو أرى عنه ملحداً ... ولقت بنفسي فيه غير شحيح
صرمت به ربعي وواصلت أربعي ... وأرضيت تبريحي وغظت نصيحي
وباينت سلواني وكل ملوح ... ولا يمت أشجاني وكل مليح
وكلفت نفسي فوق طوقي فلم أطق ... لعد سجايا محسن بمديح
وذيلتها أنا أيضاً فقلت:
ولي كبد مقروحة من يبيعني ... بها كبدا ليست بذات قروح
أباها جميع الناس لا يشترونها ... ومن يشتري ذا علة بصحيح
أئن من الشوق الذي في جوانحي ... أنين غصيص بالشراب قريح
وأبكي بعين لا تكف غروبها ... وأصبو بقلب بالغرام جريح
وألتاع وجدا كلما هبت الصبا ... بنشر خزامى أو بنفحة شيح
إلى الله قلباً لا يزال معذبا ... بتأنيب لاح أو بهجر مليح
فيا عصرنا بالرقمتين الذي خلا ... لك الله جد بالقرب بعد نزوح
أرقت وقد نام الخلي من الأسى ... بجفن على تلك السفوح سفوح
يهيج أشجاني ترتم صادح ... ويوقظ أحزاني تنسم ريح
فلله بالجرعاء حي عهدتهم ... يحلون منها في معاهد فيح
ليالي ليلى من بهيم ذوائب ... وصبحي من وجه أغر صبيح
هم نيل آمالي ونجح مآربي ... وصحة أسقامي وراحة روحي
لئن مر دهر بالتنائي فقد حلا ... غبوقي بهم فيما مضى وصبوحي
وبيت بديعية الصفي قوله:
وقلت هذا قبول جاءني سلفاً ... ما ناله أحد قبلي من الأمم
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
يا رب سهل طريقي في زيارته ... من قبل أن تعتريني شدة الهرم
وبيت بديعية المقري قوله:
يا احمد الرسل هذا احمد الخلفا ... في الملك هذا المسمى باسمك العلم
وبيت بديعية العلوي قوله:
ومن يكن للإله الفرد فيه ثنا ... فمدح كل الورى ضرب من العدم
وبيت بديعيتي قولي:
وأنت يا سيد الكونين معتمدي ... في أن تسهل ما أرجو ومعتصمي
ولم ينظم سائر أصحاب البديعيات هذا النوع والله تعالى أعلم
[الإدماج]
أدمجت مدحك والأيام عابسة ... وأنت أكرم من يرجى لدى الازم
الإدماج في اللغة مصدر أدمج الشيء في الشيء: إذا أدخله فيه.
وفي الاصطلاح أن يضمن المتكلم كلاما ساقه لمعنى معنى آخر، بشرط أن لا يصرح به، ولا يشعر في كلامه بأنه مسوق لأجله. ومثاله من التنزيل قوله تعالى (له الحمد في الأولى والآخرة) فان الغرض منها تفرده تعالى بوصف الحمد، وأدمج فيه الإشارة إلى البعث والجزاء.