وصفه بالعي وقبح اللهجة، على وجه يستتبع وصفه بجفاء الخلقة والجلافة. يقال: رجل جافي الخلقة: إذا كان كزا غليظا، والجليف- بالجيم- الجلف الجافي.
ومنه قولي من قصيدة وصفت فيها خروجي من الأسر وفوتي الأعداء، وقد جدوا في طلبي لم يلحقوا بي:
وبثوا الجياد السابحات ليلحقوا ... وهل يدرك الكسلان شأو أخي المجد.
فساروا وعادوا خائبين على وجى ... كما خاب من قد بات منهم على وعد.
وصفهم بخيبة السعي في طلبهم له على وجه يستتبع وصفهم بخلف الوعد.
والفرق بين هذا النوع وبين التكميل، إن التكميل يكمل ما وصف به أولا، والاستتباع لا يلزم به ذلك.
وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله:
الباذلوا النفس بذل الزاد يوم القرى ... والصائنوا العرض صون الجار والحرم
وبيت بديعية ابن جابر قوله:
تجري دماء الأعادي من سيوفهم ... مثل المواهب تجري من أكفهم.
وبيت بديعية الموصلي قوله:
يستتبعون ببذل العلم بذل ندى ... ويحفظون المعالي حفظ عرضهم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله: يحمون مستتبعين العفو إن ظفروا=ويحفظون وفاهم حفظ دينهم.
وبيت بديعية المقري قوله:
أفنى العداة كما أفنى النقاد ندى ... فماله والأعادي منه في نقم.
وبيت بديعية العلوي قوله: له الشفاعة في الدنيا وآخرة=وباللواء وحوض للورى شبم.
وبيت بديعيتي قولي:
يعفون عن كل ذي ذنب إذا قدروا ... مستتبعين نداهم عند عفوهم.
ولم ينظر السيوطي ولا الطبري هذا النوع، والله أعلم.
التمكين. تمكين عدل لهم أرسوا قواعده=يرعى به الذئب في المرعى مع الغنم.
هذا النوع سماه قدامة وابن مالك: ائتلاف القافية، وسماه الباقون: تمكين القافية، وهو الأولى، وهو عبارة عن أن يمهد الناثر للقرينة، والشاعر للقافية تمهيدا تأتي به القرينة والقافية متمكنة من مكانها، مستقرة في قرارها، مطمئنة في موضعها، متعلقا معناها بمعنى الكلام كله تعلقا تاما، بحيث لو طرحت لأختل المعنى واضطرب الفهم، وبحيث لو سكت دونها كملها السامع بطبعه. وأكثر القرائن التي وقعت في التنزيل من هذا القبيل.
ومثاله في الشعر قول أبي العتاهية:
أعلمت عتبة أنني ... منها على شرف مطل.
وشكوت ما ألقى إلي ... ها والمدامع تستهل.
حتى إذا برمت بما ... أشكو كما يشكو الأذل.
قالت فأي الناس يع ... لم ما تقول فقلت كل.
قال ابن المعتز: أجمع أهل الأدب على أنهم لم يسمعوا قافية أحق بمكانها من قوله (فقلت كل) .
وقول أبي الطيب:
يا من يعز علينا أن نفارقهم ... وجداننا كل شيء بعدكم عدم.
وبيت بديعية الصفي قوله:
به استغاث خليل الله حين دعا ... رب العباد فنال البرد في الضرم
وبيت بديعية العز الموصلي قوله:
تمكين حبك في قلبي نسخت به ... محبة الكل من عرب ومن عجم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
تمكين سقمي بدا من خيفة حصلت ... لكن مدائحه قد أبرأت سقمي.
وبيت بديعية المقري قوله:
وبيض هند إذا ضلت مضاربها ... على طلى سجدت هام على القمم.
وبيت بديعية العلوي قوله:
وحط عن آدم الرحمن زلته ... به وأيوب قد عوفي من السقم.
وبيت بديعيتي قولي:
تمكين عدل لهم أرسو قواعده ... يرعى به الذئب في المرعى مع الغنم.
التجريد. جردت منهم لأعناق العدى قضبا=تبري الرقاب بحد غير منثلم.
التجريد في اللغة: مصدر جردته من ثيابه إذا نزعتها عنه.
وفي الاصطلاح: أن ينتزع من أمر متصف بصفة أمر آخر مثله في تلك الصفة مبالغة لكمالها فيه، حتى كأنه بلغ من الإتصاف بها مبلغا يصح أن ينتزع منه أمر آخر موصوف بتلك الصفة، كقولهم: مررت منهم بالرجل الكريم، والنسمة المباركة. جردوا من الرجل الكريم والنسمة المباركة آخر مثله متصفا بصفة البركة، وعطفوا عليه كأنه غيره، وهو هو في نفس الأمر.
وهو- أعني [التجريد- على] أقسام: أحدها، أن يكون بمن التجريدية الداخلة على المنتزع منه.
نحو قولهم: لي من فلان صديق حميم، أي قد بلغ من الصداقة مبلغا صح معه أن يستخلص منه صديق آخر مثله فيها.
وقول الشاعر: