للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبي ظبية أدماء ناعمة الصبا ... تحار الظباء البيض من لفتاتها.

أعانق غصن البان من لين قدها ... وأجني جني الورد من وجناتها.

وقول أبي العلاء المعري:

ماجت نمير فهاجت منك ذا لبد ... والليث أفتك أفعالا من النمر.

وقول ابن (٢) هانئ المغربي:

لي منهم سيف إذا جردته ... يوما ضربت به رقاب الأعصر.

وقول الآخر:

جزيل الندى ذو إياد غدت ... يحدث عنهم في كل ناد.

يلاقيك منه إذا جئته ... كثير الرماد طويل النجاد.

الثاني، أن يكون بالباء التجريدية الداخلة على المنتزع منه.

نحو قولهم: لئن سألت فلانا لتسألن به البحر. بالغ في اتصافه بالسماحة حتى انتزع منه بحرا في السماحة.

وقول الشاعر: دعوت كليبا دعوة فكأنما=دعوت به ابن الطود أو هو أسرع.

جرد من كليب شيئا يسمى ابن الطود، وهو الصدى، والحجر إذا تدهده، يريد به سرعة إجابته.

الثالث، أن يكون بدخول باء المعية والمصاحبة في المنتزع كقوله:

وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى ... بمستلئم مثل الفنيق المرحل.

المستلئم: اللابس اللامة وهي الدرع. والفنيق بالفاء والنون كأمير: الفحل المكرم عند أهله. والمرحل من رحل البعير: أشخصه عن مكانه، أي أرسله، أي تعدو بي ومعي من نفسي لابس درع لكمال استعدادي للحرب.

بالغ في اتصافه بالاستعداد، حتى انتزع منه شخصا آخر لابسا للدرع ومسرعا إلى الحرب مثل الفحل المكرم عند أهله إذا أرسل.

الرابع، أن يكون بدخول (في) على المنتزع منه.

كقوله تعالى (لهم فيها دار الخلد) أي في جهنم وهي دار الخلد، لكنه انتزع منها دار أخرى وجعلها معدة في جهنم لأجل الكفار تهويلا لأمرها ومبالغة في اتصافها بالشدة.

وقول الشاعر:

أفاءت بنو مروان ظلما دماءنا ... وفي الله إن لم يعدلوا حكم عدل.

فجرد منه تعالى حكما عدلا وهو هو.

الخامس، أن يكون بدون توسط حرف، كقول قتادة بن (مسلمة) الحنفي:

فلئن بقيت لأرحلن بغزوة ... تحوي الغنائم أو يموت الكريم.

يعني بالكريم نفسه، فكأنه انتزع من نفسه كريما، مبالغة في كرمه، ولذا لم يقل: أو أموت، وقيل: تقديره أن يموت مني كريم، فيكون من القسم الأول الذي هو (بمن التجريدية) ولا حاجة إلى هذا التقدير لحصول التجريد بدونه ولا قرينة عليه.

السادس، أن يكون بطريق الكناية كقول الأعشى:

يا خير من يركب المطي ولا ... يشرب كأسا بكف من بخلا.

أي يشرب الكأس بكف جواد من فقد انتزع من الممدوح جوادا يشرب هو الكأس بكفه عن طريق الكناية، لأنه إذا نفى عنه الشرب بكف البخيل فقد أثبت له الشرب بكف كريم، ومعلوم أنه يشرب بكفه، فهو ذلك الكريم.

السابع، أن يكون بطريق خطاب المرء لنفسه.

وبيان التجريد فيه أن ينتزع من نفسه شخصا آخر مثله في الصفة التي سبق لها الكلام، ثم يخاطبه.

كقول أبي الطيب:

لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم تسعد الحال.

كأنه انتزع من نفسه شخصا آخر مثله في فقد الخيل والمال والحال الذي هو الغنى.

ومثله قول الأعشى:

ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل.

وأرباب البديعيات بنوا أبياتهم على القسم الأول من أقسام التجريد، وهو ما كان (بمن التجريدية) لأنه أشهر وأكثر استعمالا من سائر الأقسام.

وبيت بديعية الصفي قوله:

شوس ترى منهم في كل معترك ... أسد العرين إذا حر الوطيس حمي.

وبيت بديعية ابن جابر قوله:

من وجه أحمد لي بدر ومن يده ... بحر ومن لفظه در لمنتظم.

وبيت بديعية العز الموصلي قوله:

من لفظه واعظ بالنصح جرد لي ... يا نفس توبي وللتجريد فالتزمي.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

لي في المعاني جنود في البديع وقد ... جردت منها لمدحي فيه كل كمي.

وبيت بديعية المقري قوله:

يسل منها بروقا قد كثرن حيا ... عند اللقا فهي تهمي من دمائهم.

ولم أقف على بيت بديعية السيوطي في هذا النوع.

وبيت بديعية العلوي قوله:

بدرا إذا اشتدت الهيجاء تشهده ... ليثا يقد العدى في كل مصطدم.

ولم ينظم الطبري هذا النوع من بديعيته التي شرحها.

وبيت بديعيتي قولي:

<<  <   >  >>