أجوف لا يحفظ السر في قلبه، لا فرق في لغة العجم بين اسمه وقلبه. له أسماء في لغة العرب تقاليبها كلها مستعملة، وذلك من خصاله التي قلما يتفق فيها شريك له. آلة تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ والنسيان، ينوب عن اللسان في البيان، وعن السنان المحدد بالسنان. إذا رقى البنان هو ملك لكنه يستكتب، فإذا أدى نجوم الكتابة خلي سبيله أين يذهب. نسخ محقق توقيعاته على الرقاع أدراج الياقوت، قد أقر بريحان قامته عيون ابن مقلة وياقوت. شكله أسطواني وهو مخروط، شاب مترعرع لكنه محظوظ. يحبه الناس ويراودونه، لكن إذا ظهر الشعر على عذاره طووا الكشح دونه. مسافر يسفر عن أخبار المشارق والمغارب، عارف محيط بجميع الأذواق والمشارب. لسانه نضناض، وبيانه فضفاض، وحكمه ماض، في السواد والبياض، يقضي فيها ما هو قاض. جارية تجري في البحر بأذن الباري، فتأتي بدرر معان كأنها غرر الدراري. ولقد أحسن من قاله فيه ملغزا، ولبعض أوصافه الغريبة مبرزاً.
وما غلام راكع ساجد ... أخو نحول دمعه جار.
ملازم الخمس لأوقاتها ... معتكف في خدمة الباري.
كأنه في يد السلطان ابن السلطان، أبي المظفر يعقوب خان، قصب السكر وقد نبت على ساحل عمان. عم الورى نائله وآوى السائلين ساحله، كلا أن نوال البحر بالنسبة إلى فيض كفه نزر ليس له قدر، كيف لا وله مد يعقبه جزر.
فلن أشبهه بالبحران له ... مدا يعاقبه جزرا بأرجاء.
أو هو - والحالة هذه - خط تخيل في نواطر الأوهام، من قطرة نازلة من غمام، وأي غمام يدر نواله على عواطف الأنام، من الخواص والعوام، وتغمر منحه الجسام، رياض آمال الأفاضل الأعلام بكل مقام. أين جود الغمام من جوده العميم، أم أين مدراره من مدرار كرمه الجسيم.
ما نوال الغمام وقت ربيع ... كنوال الأمير وقت سخاء
فنوال الأمير بدرة مال ... ونوال الغمام قطرة ماء.
اللهم خلد نفاذ أرقام أقلامه على صفحات الأقاليم ما دام القلم الأعلى، ونفذ مداد أعوان دولته وامتداد زمان صولته ما دامت نقوش الأنفاس في صحائف القراطيس تتلى، ومآثر السلاطين الكبار على صفحات الأوراق تروى. بحق من نسخ الكتب السالفة ولم يركب بنانه قلم، وهدى الحائرين إلى أقوام لقم، بعدما وقب غواسق الظلم.
انتهت الرسالة الرافلة من حلل البلاغة في غلالة، وقد عارضها غير واحد من المتأخرين، فلم يأت لقرينة منها بقرين. وإذا كان غرضنا الاختصار فلنكتف مما أردنا بهذا المقدار.
وبيت بديعية الصفي قوله: فعال منتظم الأحوال مقتحم الأهوال ملتزم بالله معتصم وبيت بديعية ابن جابر قوله:
من لي بمستلم للبيد معتصم ... بالعيس لا مسئم يوما ولا سئم
وبيت بديعية الموصلي قوله:
كم قاتل بصميم الجمع مقتحم ... وقائل لنظيم السجع ملتزم.
هذا النوع من نوع الترصيع لا نوع التسجيع، لاشتراطهم فيه أن يكون روي الأسجاع على روي البيت كما تقدم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
سجعي ومنتظمي قد أظهرا حكمي ... وصرت كالعلم في العرب والعجم
وبيت بديعية المقري قوله:
نجاك من عدم أولاك منع دم ... أغناك عن كرم فالفقر عنك رمي
وبيت بديعية السيوطي قوله:
آثارهم عصمي وحبهم لزمي ... في مدحهم كلمي سجعي ومنتظمي
وبيت بديعية العلوي قوله:
من كف ذي الكرم الهامي على الأمم ال ... ثجاج بالنعم الواقي من النقم.
وبيت بديعية الطبري قوله:
أفاد من عدم وساد من حكم ... وحق ذو سدم سجعا بغير فم
وبيت بديعيتي قولي:
تسجيع منتظمي والغر من حكمي ... ألفاظها بفمي در من الكلم
[التسهيل]
وأنت يا سيد الكونين معتمدي ... في أن تسهل ما أرجو ومعتصمي
التسهيل أدخلها بعضهم في نوع الانسجام، وذكرها ابن سنان الخفاجي في كتاب سر الفصاحة وقال في مجمل كلامه: هي خلو اللفظ من التكليف والتعقيد والتعسف في السبك، لا كما قال بعضهم:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر
قال الجاحظ في كتاب البيان والتبيين: