بأطيب مما يقصر الطرف دونه ... تقى الله واستحياء بعض العواقب.
ولبعضهم:
وما شوق أعرابية بأن دارها ... وحنت إلى وادي الحجاز ورنده.
بأكثر من شوقي إليكم وإنما ... رماني زماني بالبعاد بجهده.
وري أنه لما قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه يوم صفين احتمله أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه إلى خيمته، وجعل يمسح الدم عن وجهه ويقول:
وما ظبية تسبي القلوب بطرفها ... إذا التفتت خلنا بأجفانها سحرا.
بأحسن من كلل السيف وجهه ... دما في سبيل الله حتى قضى صبرا.
ولأبي الوليد بن زيدون:
وما شوق مغلول الجوانح بالصدى ... إلى نطفة زرقاء أضمرها وقط.
بأبرح من شوقي إليكم ودون ما ... أدير المنى عنه القتادة والخرط.
وأنشدني لنفسه الشيخ الأديب حسين بن شهاب الدين الشامي:
وأقسم ما الفلك الجواري تلاعبت ... بها صرصر نكباء في لجة البحر.
بأكثر من قلبي وجيبا وشملنا ... جميع ولكن خوف حادثة الدهر.
وله من قصيدة مدح بها الوالد قدس الله روحه:
فما روضة بالحزن باكرها الحيا ... بأرعن رجاس من المزن مسبل.
إذا خطرت فيها الصبا عبقت بها ... عوابق من ريا عبير ومندل.
بأطيب نشرا من خلائق أحمد ... ومن شك أو لم يدر ما قلت يسأل.
ولبعض المتأخرين:
ما الورد تنضج بالندى أثوابه ... والروض يهتك بالحيا جلبابه.
الهائم الممطول فاز بوصل ... والأشيب الموخوط عاد شبابه.
والنازح المهجور يقرع بغتة ... بيدي حبيبته المليحة بابه.
يوما بأوفر بهجة ومسرة ... مني إذا وافى إلي كتابه.
وبيت بديعية الشيخ صفي الدين الحلي قوله:
ما روضة وشع الوسمي بردتها ... يوما بأحسن من آثار سعيهم.
وبيت بديعية العز الموصلي قوله:
ما الدوح تفريعه بالزهر متسق ... نظما بأطيب من تعريف ذكرهم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
ما الدوح إن فاح نشرا أو شدا طربا ... يوما بأطيب من تفريع وصفهم.
وبيت بديعية المقري قوله:
ما المسك فتت أو فضت نوافجه ... عنه بأطيب من ذكراه في الكلم.
وبيت بديعية العلوي قوله:
ما جبرئيل أمين الله في شرف ... يوما بأشرف منه ليلة الكلم.
وبيت بديعيتي في قولي:
ما الروض غب الندى فاحت روائحه ... يوما بأضوع من تفريع نعتهم.
[التدبيج.]
بيض المكارم سود النقع حمر ظبي ... خضر الديار فدبج وصف حالهم.
التدبيج مشتق من الديباج، وهو ثوب سداه ولحمته ابريسم، وهو معرب (ديبا) بدون الجيم، ثم كثر حتى اشتقت العرب منه فقالوا: دبج الغيث الأرض دبجا- من باب ضرب- ودبجها تدبيجا- بالتضعيف- إذا سقاها فأنبتت أزهارا مختلفة، لأنه عندهم اسم للمنقش.
وفي الاصطلاح عبارة عن أن يذكر المتكلم ألوانا يقصد التورية بها والكناية بذكرها عن أشياء، من نسيب أو مدح أو وصف أو غير ذلك من الأغراض، كقوله تعالى (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود) .
قال ابن أبي الإصبع: المراد بذلك- والله أعلم- الكناية عن الواضح والمشتبه من الطرق، لأن الجادة البيضاء هي الطريقة التي كثر السلوك عليها جدا، وهي أوضح الطرق وأبينها، ودونها الحمراء ودون الحمراء السوداء كأنها في الخفاء والالتباس ضد البياض في الظهور والوضوح، ولما كانت هذه الألوان الثلاثة في الظهور للعين طرفين وواسطة، فالطرف الأعلى في الظهور البياض، والطرف الأدنى في الخفاء السواد، والأحمر بينهما على وضع الألوان في التركيب، وكانت ألوان الجبال لا تخرج عن هذه الألوان الثلاثة، بكل علم نصب منقسمة هذه القسمة، أتت الآية الكريمة منقسمة كذلك، فحصل فيها التدبيج وصحة التقسيم.
ومنه قول الحريري: فمذ اغبر العيش الأخضر، وازور المحبوب الأصفر، اسود يومي الأبيض، وابيض فودي الأسود، حتى رثي لي العدو الأزرق، فحبذا الموت الأحمر.
قال الصفدي: أخبرني الشيخ ثناء الدين أبو الثناء محمود أن القاضي الفاضل شرع في إنشاء مقامات، فكان يعارض كل فصل من مقامات الحريري بفصل من كلامه، فلما انتهى إلى هذا الفصل من التدبيج قال: من أين يأتي المتكلم بمثل هذا؟ وغسل ما عمله من المقامات.