وقال: انه جمع فيه أرض العدو وما فيها في كونها خالصة للممدوح, وقسم في الثاني. والمذكور فيما رأيناه من نسخ ديوان أبي الطيب ما ذكرناه وأما البيت الذي ذكره صاحب المفتاح وهو قوله (والدهر معتذر) إلى آخره فهو بعد بيت التقسيم بأبيات كثيرة.
والثاني كقول حسان:
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم ... أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة ... إن الخلائق فاعلم شرها البدع
فقسم في البيت الأول صفة الممدوحين إلى ضر الأعداء, ونفع الأولياء, ثم جمعهما في البيت الثاني في قوله (سجية) .
ومن لطيف هذا النوع قول بعضهم:
لو كان ما أنتم فيه يدوم لكم ... ظننت ما أنا فيه دائما أبدا
لكن رأيت الليالي غير تاركة ... ما سر من حادث أو ساء مطردا
فقد سكنت إلى أني وإنكم ... سنستجد خلاف الحالتين غدا
فقوله سنستجد جمع لطيف, ولما كان الأول أحلى في الأسماع وأعلق بالطباع, لم يعول أرباب البديعيات إلا عليه, ولا جنحوا في أبياتهم إلا إليه.
وبيت صفي الدين قوله:
أبادهم فلبيت المال ما جمعوا ... والروح للسيف والأجساد للرخم
وبيت بديعية ابن جابر قوله:
والمال والماء في كفيه قد جريا ... هذا لراج وذا للجيش حين ظمي
وبيت عز الدين الموصلي قوله:
علم ومال على جمع تقسمه ... هذا لغمر وهذا نفع مغترم
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
أثرت كرايمه جمعا فقسمها ... كالحوض للورد والعظمى لهولهم
وبيت بديعيتي هو:
وكم غزا للعدى جمعا فقسمه ... فالزوج للأيم والمولود لليتم
وبيت بديعية المقري قوله:
حوى الفضائل فالعليا لهمته ... والحسن للوجه والإحسان للشيم
الجمع مع التفريق والتقسيم لم ينظم الشيخ صفي الدين ولا غيره من أرباب البديعيات الجمع مع التفريق والتقسيم, إما اكتفاء بالجمع مع التفريق, والجمع مع التقسيم, أو لأن البيت الواحد لا يتسع لنظمه. وقد ذكره السكاكي في المفتاح, والقزويني في التلخيص والإيضاح, والطيبي في التبيان, والسيوطي في الاتقان وجماعة آخرون. وهو عبارة عن أن يجمع المتكلم متعددا تحت أمره, ثم يفرق, ثم يضيف إلى كل ما يناسبه, كقوله تعالى في سورة هود "يوم يأتي لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق, خالدين فيها ما دامت السنوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد, وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ". فجمع الأنفس في عدم التكلم بقوله (لا تكلم نفس) لأن النكرة في سياق النفي تعم, ثم فرق بأن أوقع التباين بينها بأن بعضها شقي, وبعضها سعيد, لقوله (فمنهم شقي وسعيد) إذ الأنفس وأهل الموقف واحد, ثم قسم وأضاف إلى السعداء ما لهم من نعيم الجنة, وإلى الأشقياء ما لهم من عذاب النار.
فان قلت: ما معنى الاستثناء في قوله تعالى (إلا ما شاء ربك) قلت: هو استثناء من الخلود في عذاب النار والخلود في نعيم الجنة. فالاستثناء الأول محمول على أن فساق المؤمنين لا يخلدون في النار, والثاني محمول على أن أهل الجنة لهم سوى نعيمها ما هو أكبر وأجل وهو رضوان الله ولقاؤه عز وجل. وللمفسرين أقوال أخر في هذا الاستثناء هذا أصوبها.
وأما قوله (ما دامت السماوات الأرض) فهو كناية عن التأييد ونفي الانقطاع, كقول العرب: لا أفعله ما أقام ثبير, وما لاح كوكب.
ومن أمثلة هذا النوع من الشعر قول إبراهيم بن العباس:
لنا إبل كوم يضيق بها الفضا ... ويفتر عنها أرضها وسماؤها
فمن دونها أن تستباح دماؤنا ... ومن دوننا أن تستباح دماؤها
حمى وقرى فالموت دون مرامها ... وأيسر خطب يوم حق فناؤها
وقول ابن شرف القيرواني:
لمختلفي الحاجات جمع ببابه ... فهذا له فن وهذا له فن
فللمخامل العليا وللمعدم الغني= وللمذنب العتبي وللخائف الأمن وقول ابن نباتة السعدي:
وكم لليل عندي من نجوم ... جمعت النثر منها في نظام
عتابا أو نسيبا أو مديحا ... لخل أو حبيب أو همام
[المماثلة]
فمن يماثله أو من يجانسه ... أو من يقاربه في العلم والعلم