فالأول كقول الفرزدق يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي خال هشام بن عبد الملك بن مروان:
وما مثله في الناس إلا مملك ... أبو أمه أبوه يقاربه.
أي ليس مثله في الناس حي يقاربه- أي أحد يشبه- في الفضائل، إلا مملك أبو أمه أبوه، ومقصوده: لا يماثله أحد إلا ابن أخته الذي هو هشام.
وقول أبي الطيب:
أتى يكون أبو البرايا آدم ... وأبوك والثقلان أنت محمد.
وتقديره: أن يكون آدم أبو البرايا وأبوك محمد وأنت الثقلان.
والثاني كقول معاوية: نجوت وقد بل المرادي سيفه=من ابن أبي شيخ الأباطح طالب.
التقدير: من ابن أبي طالب شيخ الأباطح، يعني به علي بن أبي طالب عليه السلام، ففصل بين المضاف والمضاف إليه.
والثالث كقول الكميت:
لا كعبد المليك أو كوليد ... أو سليمان بعد أو كهشام.
أراد: كعبد الملك. وقول الآخر (من نسج داود أبي سلام) أرد سليمان عليه السلام.
وقول نهار بن توسعة:
كانت خراسان أرضا إذ يزيد بها ... وكل باب من الخيرات مفتوح.
فاستبدلت قتبا جعدا أنامله ... كأنما وجهه بالخل منصوح.
فقوله: قتبا يعني به قتيبة بن مسلم.
وقول أبي الطيب:
فدى من على الغبراء أولهم أنا ... لهذا الأبي الماجد الجايد القرم.
ولم يسمع من العرب (الجايد) وإنما المسكوع: رجل جواد، ومطر جود.
والرابع كقول امرئ القيس:
يا راكب بلغ أخواننا ... من كان من كندة أو وائل.
فنصب قوله بلغ وحقه السكون. وقوله:
اليوم أشرب غير مستحقب ... إثما من الله ولا واغل.
فجزم قوله (اشرب) وحقه الرفع. إذا عرفت ذلك فهذا ليس له مثال يختص به بصورة معينة، بل كل شعر خلا من هذه التعسفات ونحوها صلح مثالا له.
وبيت بديعية الصفي قوله:
في ظل أبلج منصور اللواء له ... عدل يؤلف بين الذيب الغنم.
ولم ينظم ابن جابر هذا النوع في بديعيته.
وبيت بديعية الموصلي قوله:
أؤلف اللفظ مع وزن بمدحه مو ... لانا وذم عدو بين الثلم.
وبيت بديعية ابن حجة قوله:
واللفظ والزن في أوصافه ائتلفا ... فما يكون مديحي غير منسجم.
وبيت بديعية المقري قوله:
حتف المناوين ثبت القلب كاسره ... بقلبه شهبا في كل مصطدم.
وبيت بديعية العلوي قوله:
يمناه كالحوض يروي كل ذي ظمأ ... حباه كالرزق يأتي كل ذي نسم.
وبيت بديعيتي قولي:
تألف اللفظ والوزن البسيط به ... فاضطرب له من بديع النظم منسجم.
ولم أقف على بيت بديعية السيوطي في هذا النوع. وأما الطبري فلم ينظمه في بديعيته، والله أعلم.
[ائتلاف الوزن مع المعنى.]
وألف الوزن والمعنى له لسني ... بمقول غير ذي عي ولا وجم.
هذا النوع عبارة عن أن يكون البيت صحيح المعنى، مستقيم الوزن، لا يضطر الشاعر فيه لإقامة الوزن إلى إخراج المعنى عن وجه الصحة، أو تقديم أو تأخير أو حذ ف.
كما وقع للأجدع في قوله:
وأصبحن بالأجزاع أجزاع تريمٍ ... يقلبن هاما في عيون سواهم.
أراد يقلبن عيونا سواهم في هام. فقلب لأجل إقامة الوزن.
ومثله قول عروة بن الورد:
فلو أني شهدت أبا سعاد ... غداة غد بمهجته يفوق.
فديت بنفسه نفسي ومالي ... وما ألوه إلا ما أطيق.
أراد أن يقول: فديت نفسي، فلم يستقم له الوزن فقلب.
وقول الشماخ:
منه ولدت ولم يؤشب به حسبي ... ليا كما عصب العلباء بالعود.
أراد كما عصب العود بالعلباء، فقلب، والعلباء بالعين المهملة وبعد اللام باء موحدة: عصب عنق البعير.
وقول الحماسي على إحدى الروايتين:
ليهنك إمساكي على الكف بالحشا ... ورقراق دمعي خشية من زيالك.