للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أراد إمساكي على الحشا بالكف. ومتى خلا الشعر عن مثل هذا كان مؤتلف الوزن والمعنى، وصح كونه مثالا لهذا النوع، هكذا قرره البديعيون. وقضية أن القلب مردود مطلقا، وهو مذهب قوم من أصحاب المعاني والبيان. وذهب قوم إلى أنه مقبول مطلقا، وهو رأي السكاكي. قال في المفتاح: إن هذا النمط يسمى فيما بيننا بالقلب، وهو شعبة من الإخراج لا على مقتضى الظاهر ولها شيوع في التراكيب، وهو مما يورث الكلام ملاحة، ولا يشجع عليها إلا كمال البلاغة. وتأتي في الأشعار، وفي التنزيل.

يقولون: عرضت الناقة على الحوض، يريدون: عرضت الحوض على الناقة.

وقال القطامي (كما طينت بالفدن السياعا) أراد: كما طينت الفدن بالسياع.

وقال رؤبة:

ومهمه مغبرة أرجاؤه ... كأن لون أرضه سماؤه.

أراد: كأن لون سمائها من غبرتها لون أرضه. وقال الآخر (يمشي فيقعس أو يكب فيعثر) أراد: ويعثر فيكب. وفي التنزيل "وكم من قرية أهلكناها فجاءها باسنا" أي جاءها بأسنا فأهلكناها- على أحد الوجهين- وفيه "ثم دنا فتدلى" يحمل على تدلى فدنا. وفيه "اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فأنظر ماذا يرجعون" على ما يحمل من ألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون فتول عنهم. انتهى كلامه.

وقال الخطيب في الإيضاح: الحق أن القلب أن تضمن اعتبارا لطيفا قبل، والأرد.

أما الأول فكقول رؤبة (كأن لون أرضه سماؤه) فعكس التشبيه للمبالغة.

ونحوه قول أبي تمام يصف قلم الممدوح:

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه ... وأري الجنى اشتارته أيد عواسل.

وأما الثاني فكقول القطامي يصف ناقته بالسمن:

فلما أن جرى سمن عليها ... كما طينت بالفدن السياعا.

أمرت بها الرجال ليأخذوها ... ونحن نظن أن لن تستطاعا.

والفدن: القصر. والسياع: الطين المخلوط بالتبن.

وقول حسان:

كأن سبيئة من بيت رأس ... يكون مزاجها عسل وماء.

على أنيابها أو طعم غض ... من التفاح هصره اجتناء.

السبيئة- بالهمزة-: الخمرة المشتراة للشرب، وأما المحمولة من بلد إلى بلد فبالياء لا غير. وبيت رأس: مدينة صغيرة بالشام بين رملة وغزة تعصر فيها الخمور.

وقول القطامي:

قفي قبل التفرق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا.

وقد ظهر من هذا قوله تعالى "وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا" ليس وارد على القلب، إذ ليس في تقرير القلب فيه اعتبار لطيف. وكذا قوله "ثم دنا فتدلى" وكذا قوله "اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون". فأصل الأول: فأردنا إهلاكها فجاءها بأسنا، أي إهلاكنا.

وأصل الثاني: أراد الدنو من محمد فتدلى فتعلق في الهواء. ومعنى الثالث: تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه، ليكون ما يقولونه بمسمع منك فانظر ماذا يرجعون. فيقال: أنه دخل عليها من كوة فألقى الكتاب إليها وتوارى في الكوة.

وقال أبو الحيان: لا ينبغي حمل القرآن على القلب، إذ أنه ضرورة، وإذا كان المعنى بدونه صحيحاً فما الحامل عليه؟ وليس في قولهم: عرضت الناقة على الحوض ما يدل على القلب، لأن عرض الناقة على الحوض، وعرض الحوض على الناقة كليهما صحيحان، والله تعالى أعلم.

وبيت بديعية الصفي قوله:

من مثله وذراع الشاة كلمه ... عن سمه بلسان صادق الرنم.

الرنم بالتحريك: الصوت. ولم ينظم ابن جابر هذا النوع.

وبيت بديعية الموصلي قوله:

تؤلف الوزن والمعنى مدائحه ... فللمعاني ترى الألفاظ كالخدم.

وبيت بديعية ابن حجة قوله:

والوزن صح مع المعنى تألفه ... في مدحه فأتى بالدر في الكلم.

وبيت بديعية المقري قوله:

وليس يثني ثنائي عنهم أحد ... إن رمت بالسعي أجري في مديحهم.

وبيت بديعية السيوطي قوله:

وفي ائتلاف المعاني والوزن تلا ... زين الهدى عمر الفاروق ذو الشيم.

وبيت بديعية العلوي قوله:

في كفه سبح الحصبا وحذره العضو السميم بسم دس في السم.

وبيت بديعية الطبري قوله:

تؤلف الوزن والمعنى زيادته ... وزنا على الكل من عرب وعجم.

وبيت بديعيتي قولي:

وألف الوزن والمعنى له لسني ... بمقول غير ذي عي ولا وجم.

<<  <   >  >>