ذكر في شرحه أن فيه ثلاثة عشر نوعا من البديع.
وبيت بديعية المقري قوله:
بالغيث والليث أزرى في عطا وسطى ... فالغيث يبكي حيا والليث في أجم
ذكر في شرحه أن فيه خمسة وعشرين نوعا من البديع, وقد شرحها في شرحه.
وبيت بديعية العلوي قوله:
وذلل الشرك إذ عز الشريك له ... بالفصل والفضل في حكم وفي حكم
وبيت بديعيتي قولي:
إبداع مدحي لمن ل يبق من بدع ... أفاد ربحي فإن أطنبت لم ألم
فيه من البديع: ١- الجناس المطلق, بين إبداع وبدع.
٢- والجناس المطرف, في لم ألم.
٣- والمناسبة التامة. بين مدحي وبحي.
٤- والتشريع, فانه يخرج منه بيت وهو (إبداع مدحي أفاد ربحي) .
٥- والاستعارة, في أفاد ربحي.
٦- والتعليل, فإن إفادة الربح علة لإطناب المدح.
٧- والتسجيع, في مدحي وبحي.
٨- والإيغال , فإن الكلام تم بقوله: أفاد ربحي, لكنه أتى بما بعده إيغالا للتعليل.
٩- والمساواة, فإن ألفاظه مساوية لمعناه.
١٠- وائتلاف اللفظ مع المعنى, فإن كل لفظة لا يصلح تبديلها بغيرها.
١١- والتورية باسم النوع.
١٢- وائتلاف اللفظ مع الوزن, إذ ليس فيه تقديم وتأخير يفسد تصور المعنى ويذهب رونق اللفظ.
١٣- والانسجام, وهو ظاهر.
١٤- والتهذيب, فإن ألفاظه غير متنافرة ولا فيها بشاعة, ولا عقادة تركيب.
١٥- والإبداع الذي هو المقصود, فهذه خمسة عشر نوعا زائدة على عدد ألفاظ البيت والله أعلم.
[الإيغال]
ما أوغل الفكر في قول لمدحته ... إلا وجاء بعقد غير منفصم
الإيغال في اللغة, مصدر وغل في البلاد, إذا ذهب وبالغ وأبعد فيها, وفي الاصطلاح, هو ختم الكلام نثرا كان أو نظما بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها, كقوله تعالى "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين", فقوله: وما كانوا مهتدين, إيغال تم المعنى بدونه أفاد به زيادة المبالغة في ضلالتهم, لأن مطلوب التجار في متصرفاتهم سلامة رأس المال, وحصول الربح, وربما تضيع الطلبات ويبقى لهم معرفة التصرف في طريق التجارة, فيهتدون بطرق المعاش, وهؤلاء قد أضاعوا الطلبتين لاشتراكهم الضلالة بالهدى, وعدم حصول الربح, وضلوا الطرق أيضاً فدمروا تدميرا, وقوله تعالى "قال يا قوم اتبعوا المرسلين. اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون" فإن قوله: وهم مهتدون, مما يتم المعنى بدونه, لأن الرسول مهتد لا محالة, لكنه إيغال أفاد زيادة حث على الإتباع وترغيب في الرسل, لا تخسرون معهم شيئا في دنياكم, وتربحون صحة دينكم, فينتظم لكم خير الدنيا والآخرة. وبهذا يظهر بطلان قول من زعم أن هذا النوع خاص بالشعر, فلذا عرفه بأنه ختم البيت بما يفيد نكتة يتم المعنى بدونها.
كزيادة المبالغة في قول الخنساء:
وإن صخرا لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار
فإن قولها: كأنه علم واف بالمقصود, وهو تشبيه بما هو معروف بالهداية, لكنها أتت بقولها: في رأسه نار, إيغالا لزيادة المبالغة, كتحقيق التشبيه.
في قول امرئ القيس:
كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب
شبه عيون الوحش حول خبائهم وأرحلهم بالجزع -وهو بالفتح-: الخرز اليماني الذي فيه سواد وبياض تشبه به العيون, وهو واف بالغرض من التشبيه, لكنه أتى بقوله: لم يثقب, إيغالا وتحقيقا للتشبيه, لأن الجزع إذا كان غير مثقوب كان أشبه بالعيون. قال الأصمعي: الظبي والبقرة إذا كانا حيين فعوينهما كلها سواد, وإذا ماتا بدا بياضها, وإنما شبهها بالجزع وفيه بياض وسواد بعدما موتت. والمراد كثرة الصيد, يعني لكثرة ما أكلنا منه كثرت العيون عندنا.
كذا في شرح ديوان امرئ القيس, وبه تبين بطلان ما قيل: أن المراد به. قد طالت مسايرتهم في المفاوز حتى ألفت الوحوش رحالهم وأخبيتهم.
ومثله قول زهير:
كأن فتات العهن في كل منزل ... نزلن به حب الفنا لم يحطم
فقوله لم يحطم إيغال حقق به التشبيه, لأن حب الفنا -وهو حب أحمر تنبته الأرض- تتخذ منه القلائد, إذا كسر كان داخله أبيض, فلا يشبه العهن -وهو الصوف الأحمر- وقد تكون في الإيغال دفع توهم غير المقصود.
كقول أبي العلاء المعري:
فسقيا من فم مثل خاتم ... من الدور لم يهمهم بتقبيله خال